تضارب سرديات القتل

تختلف الرواية بين الموساد والمخابرات المركزية في تفاصيل أساسية أهمها تصنيع القنبلة. فحسب نيوزويك وواشنطن بوست تولت “سي آي إيه” تصنيع القنبلة واختبارها لأشهر ثم إرسالها إلى الأردن ثم دمشق وتركيبها في سيارة تشبه التي يستعملها عماد مغنية، بينما يغفل بيرغمان في كتابه هذه التفصيلة، مشيرا إلى فكرة القنبلة التي يتم التحكم فيها عن بعد كانت لأحد خبراء الموساد، يدعى “كسار الجوز”، وحصل تعاون مع واشنطن في إيصالها إلى دمشق عبر الأردن وفق روايته.

استبعدت خطة “كسار الجوز” -حسب زعم الكتاب- خيارات كثيرة بينها تفخيخ الهاتف المحمول بالطريقة التي اغتيل بها  القيادي في كتائب عزالدين القسام يحيى عياش عام 1996، على اعتبار أن عماد مغنية كان يغير هواتفه بشكل دائم، واستقروا على وضعها في الإطار الاحتياطي لسيارته من نوع جيب “ميتسوبيتشي باجيرو” فضية اللون التي واظب على استخدامها.

ومن خلال عمليات المراقبة، استنتج عملاء الموساد أن مغنية كانوا حذرين للغاية ويفحصون السيارة بشكل دائم من الداخل ومن الأسفل، إلا غطاء العجلة الاحتياطية الملصقة بالباب الخلفي مثل كل سيارات الميتسوبيتشي من ذلك النوع، فاستقروا على وضعها هناك وبدأت عمليات تتبع “الهدف” وتجهيز العملية والميدان وانتظار اللحظة المناسبة.

كان الإطار الاحتياطي الذي يحتوي القنبلة قد وصل عبر “السي آي إيه” وبات جاهزا، وجاءت الفرصة في يناير/كانون الثاني 2008 حين تمكن عملاء “الموساد” من الوصول إلى سيارة الجيب المركونة بينما كان مغنية يقوم بزيارة ليلية دون مرافقة فقاموا باستبدال غطاء العجلة بالغطاء الجديد الملغوم، وزرعوا أيضا كاميرات للمراقبة مع جهاز إرسال بحيث يتمكن عملاء الموساد في دمشق من معرفة ما يجري في السيارة، حسب رواية بيرغمان.

يضيف بيرغمان أن فريق الاغتيال طارد عماد مغنية على مدى 6 أسابيع، وكانت الفرصة سانحة لتفجير القنبلة 32 مرة، بتوفر شرط أن تكون سيارة مغنية مركونة بين سيارتين، وألغيت عملية التفجير في آخر لحظة، بناء على تعهد أولمرت لجورج بوش الابن بأن يطال الاغتيال مغنية فحسب.

ويزعم بيرغمان -بما يشبه الفانتازيا- أنه صبيحة يوم 12 فبراير/شباط عام 2008، كان عملاء الموساد يراقبون عماد مغنية وهو يقترب من السيارة الملغومة مع رجل آخر اتضح أنه قاسم سليماني –يروي الصحفي يوسي ميلمان في كتابه أن محمد سليمان كان معهما- وتطلب الأمر إذنا خاصا من رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي اتصل بدوره بواشنطن، وتم إلغاء العملية، فقد طلب بوش أن يقتصر الاغتيال على عماد مغنية.

في اليوم نفسه، وعند الساعة الثامنة والنصف مساء، وصل مغنية إلى منزل آمن في حي كفر سوسة في دمشق لعقد اجتماع أمني -حسب كتاب بيرغمان- وعند الساعة 10:45 مساء غادر الاجتماع وحيدا، واقترب من سيارته المركونة في المرآب وقبل أن يفتح الباب أعطي الأمر بالتنفيذ وانفجرت العبوة وقتل عماد مغنية بعد نحو 30 سنة من التعقب.

في تضارب الروايات الإسرائيلية والأميركية، ينسب بيرغمان في كتابه معظم عملية الاغتيال تخطيطا وتنفيذا لجهاز الموساد الذي تعاون في بعض المراحل مع المخابرات المركزية، لكن روايات الشهود والمشاركين لنيوزويك وواشنطن بوست تشير إلى أن العملية كانت أميركية بدءا من صناعة القنبلة واختبارها وتهريبها إلى سوريا وحتى التنفيذ في دمشق.

يذكر أحد المشاركين لواشنطن بوست أن “ضباطا من وكالة الاستخبارات المركزية ممن يتمتعون بخبرة واسعة في العمل السري تمكن من تأمين منزل آمن في مبنى قريب من شقته (مغنية) في دمشق وكانوا يراقبون هذا الأمر طوال الوقت تقريبا ويتناوبون على العمل، وكان ضابط من الموساد موجودًا فقط للتأكد من أن الرجل هو بالفعل”.

ويضيف أيضا أنه “بموجب الخطة، كان عميل الموساد سيحدد هوية مغنية، بينما يضغط رجل وكالة المخابرات المركزية على جهاز التحكم عن بعد”.

وسط صراع السرديات بتناقضاته وتطابقاته، من الثابت أن عملية الاغتيال أو القتل المستهدف، كانت تتم بتنسيق كبير بين واشنطن وتل أبيب، التي اغتالت لاحقا المسؤول الأمني السوري محمد سليمان بمنزله في طرطوس يوم 2 أغسطس/آب 2008، ينما اغتالت الولايات المتحدة قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية ببغداد يوم 3 يناير/كانون الثاني 2020.

تواصلت حرب الأشباح و”حسابات الدم المفتوحة” بين حزب الله وإسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية باغتيالات كثيرة، طالت آخرها في بيروت المسؤول العسكري لحزب الله فؤاد شكر يوم 30 يوليو/تموز 2024 وبعدها بيوم في طهران رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.