في لحظة مفصلية تشهدها القضية الفلسطينية، تتداخل فيها التداعيات المأساوية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مع حالة الانقسام الداخلي المتفاقمة، يطلق القيادي الفلسطيني البارز، حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، تصريحات قوية ومباشرة حول وضع السلطة الفلسطينية ومستقبل النضال الوطني. هذه المقابلة مع الجزيرة نت، والتي جاءت على هامش فعاليات “ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني” في إسطنبول، تلقي الضوء على رؤية خريشة الشاملة للقضية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول ضرورة الوحدة الفلسطينية وإعادة بناء المؤسسات الديمقراطية. يمثل هذا الحوار محاولة لفهم الصورة الكاملة، خاصة مع الحديث عن خطط أمريكية جديدة ومخاطر الضم الإسرائيلي وتهميش حقوق الفلسطينيين.
غياب السلطة الفلسطينية وتداعياته الخطيرة
يرى خريشة أن السلطة الفلسطينية تبدو “خارج المشهد” و”مغيبة عن الساحة”، في الوقت الذي تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى قيادة حازمة وموحدة. هذا الغياب، كما يؤكد، يفاقم من التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل تصاعد الاستيطان والتهويد في القدس والضفة الغربية، وسياسات الفصل والعزل التي تهدف إلى تفتيت النسيج الفلسطيني. الانتخابات الفلسطينية هي، في رأيه، الحل الوحيد لإنهاء هذا الوضع، وإعطاء الشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره واختيار قيادته الوطنية.
خطر الضم والإستيطان المتسارع
يحذر خريشة من أن استمرار هذا الغياب للسلطة الفلسطينية سيعزز من مشروع الضم الإسرائيلي، ويضاعف من الخسائر التي تتكبدها القضية الفلسطينية. يشير إلى أن السياسات الإسرائيلية تتسم بالصمت والتنفيذ التدريجي، بينما يكتفي المجتمع الدولي بإصدار البيانات الرافضة للضم دون اتخاذ خطوات عملية لوقف هذا التمدد الاستيطاني. ويؤكد أن الضفة الغربية تشهد “حرب إبادة صامتة” لا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام الإعلامي، حيث يتم فصل المدن عن بعضها البعض، والسيطرة على المخيمات، وتدمير البنية التحتية.
ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني: دعوة للوحدة
جاءت تصريحات خريشة في سياق فعاليات “ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني” الذي عقد في إسطنبول تحت عنوان “وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الإبادة والتهجير والضم”. يهدف الملتقى إلى جمع مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، وتعزيز الحوار والتنسيق فيما بينها، للخروج بموقف موحد وقوي في مواجهة التحديات الراهنة. ويؤكد خريشة على أهمية مشاركة جميع الفلسطينيين، في الداخل والخارج، في هذا الحوار، وإيجاد صيغة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية. الوحدة الفلسطينية ليست مجرد شعار، بل هي ضرورة حتمية لمواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية.
ضرورة انتخابات شاملة وديمقراطية
يشدد خريشة على أن الانتخابات الفلسطينية يجب أن تكون حقيقية وشاملة، تشمل جميع الفلسطينيين في الداخل والشتات، دون أي قيود أو شروط سياسية. ويعتبر أن الشعب وحده هو الذي يجب أن يقرر شكل قيادته الوطنية المقبلة، وأن أي محاولة لفرض قيادة من الخارج أو من الداخل هي محاولة لتقويض الشرعية الديمقراطية. ويستذكر تجربته الشخصية في تطبيق القانون الأساسي بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، مؤكدا أن أي ملء للشواغر القيادية يجب أن يتم حصرا عبر صناديق الاقتراع.
تقييم خطة ترامب: مشروع استعماري جديد
لا يتردد خريشة في وصف خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن غزة بأنها “مشروع استعماري جديد” يهدف إلى إنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من عزلته، وفصل غزة عن الضفة الغربية، وتهويد القدس، واجتثاث الشعب الفلسطيني. ويؤكد أن هذه الخطة تخدم أجندة الاحتلال الإسرائيلي أكثر مما تخدم السلام، وأن الضغوط الشعبية العالمية، وخاصة في المجتمعات الغربية، هي التي أجبرت واشنطن على طرحها. الوضع في غزة يتطلب حلولاً عادلة وشاملة، وليس مشاريع تهدف إلى تجميد الصراع وتكريس الاحتلال.
دور فلسطينيي الشتات في صناعة الرأي العام
يرى خريشة أن فلسطينيي الشتات يلعبون دورًا حيويًا في دعم القضية الفلسطينية، وخاصة في مجال صناعة الرأي العام العالمي. ويشيد بقدرتهم على حشد الدعم الإنساني والسياسي للقضية، وفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. ويؤكد أنهم يشكلون جزءًا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وأن مشاركتهم في الانتخابات وصياغة القيادة الوطنية أمر ضروري.
نحو مستقبل أفضل
في الختام، يدعو حسن خريشة إلى توحيد الصفوف الفلسطينية، ودعم المقاومة، والالتزام بالحقوق الوطنية الثابتة. ويؤكد أن التضامن مع القضية الفلسطينية هو تضامن مع القيم الإنسانية والأخلاقية التي يدعي الغرب التمسك بها. إن مستقبل القضية الفلسطينية يعتمد على قدرة الشعب الفلسطيني على تجاوز خلافاته، واستعادة وحدته، وبناء مؤسسات ديمقراطية قوية تدافع عن حقوقه وتحقق طموحاته في الحرية والاستقلال. ودعوته إلى الحوار، والتمسك بالشرعية الديمقراطية، والتأكيد على دور فلسطينيي الشتات، تمثل خطوة مهمة نحو تحقيق هذا المستقبل الأفضل.















