في صبيحة يوم الأربعاء الماضي، استيقظ سكان مدينة سيئون ومدن وادي حضرموت على وقع أصوات الانفجارات والاشتباكات العنيفة، مُعلنةً عن تطورات دراماتيكية تُهدد الاستقرار في هذه المحافظة الغنية بالنفط. المواجهات بين قوات المنطقة العسكرية الأولى وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي أسفرت عن سيطرة الانتقالي على سيئون، أثارت مخاوف واسعة النطاق بشأن مستقبل الأمن والاقتصاد في اليمن. هذا التحول الميداني يضع وادي حضرموت على مفترق طرق، ويطرح تساؤلات حول السيناريوهات المحتملة للمنطقة.

تطورات الأحداث وسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على سيئون

بدأت الأحداث بتوغل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة سيئون، ثاني أكبر مدن حضرموت، تحت مسمى “عملية المستقبل الواعد”. وسرعان ما تمكنت القوات من السيطرة على المواقع الاستراتيجية الهامة، بما في ذلك مطار سيئون، ومقار إدارة الأمن، والمجمع الحكومي، وقيادة المنطقة العسكرية الأولى. وأصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بيانًا رسميًا أكد فيه أن حضرموت ستبقى ركنًا أساسيًا في مشروع الدولة الجنوبية، وأن المجلس لن يقبل بأن تكون المحافظة رهينة لمشاريع الإرهاب أو الهيمنة أو التهريب.

وفي تطور لافت، حذر رئيس حلف قبائل حضرموت اليمنية من أي تقدم نحو الشركات النفطية في المحافظة، مؤكدًا على رفض أي قوة خارجية السيطرة على ثروات المنطقة. هذا الموقف يعكس حالة الاستياء والرفض المتزايد من التدخلات الخارجية في شؤون حضرموت.

اتفاقيات هشّة وتصاعد التوترات في حضرموت

على الرغم من توقيع اتفاق تهدئة برعاية لجنة وساطة حضرمية وإشراف وفد سعودي في مدينة المكلا، إلا أن الأوضاع سرعان ما تصاعدت مجددًا في محيط المناطق النفطية. هذا الاتفاق، الذي رعاه الوفد الأمني السعودي بين قوات الانتقالي وحلف قبائل حضرموت، لم يصمد أمام التوترات المتراكمة، مما يشير إلى هشاشة الحلول الأمنية القائمة.

وتشير الوقائع على الأرض إلى صراع متزايد على النفوذ والسيطرة على الحقول النفطية بين المجلس الانتقالي وحلف قبائل حضرموت. مصادر محلية أفادت بغموض يكتنف مصير الشيخ عمر بن حبريش، قائد حلف قبائل حضرموت، بعد مغادرته مواقع شركة بترو مسيلة عقب المواجهات مع قوات الانتقالي.

ردود الفعل الرسمية وتأثير الأحداث على الأمن الإقليمي

أعرب اللواء فرج البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي، عن رفضه لما وصفه بـ”تمرد” عمرو بن حبريش، مؤكدًا على أن الدولة لن تتهاون مع أي محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في حضرموت. وأكد البحسني أن حضرموت محصنة من محاولات فرض الأمر الواقع، وأن زمن ابتزاز مؤسسات الدولة قد انتهى.

ويرى مراقبون أن هذه الأحداث تشكل شرخًا أمنيًا واسعًا في أكبر محافظات اليمن مساحة، مما يضعف الأمن في محيط ممرات النفط والسواحل الحيوية. هذا التطور يهدد الاستقرار الإقليمي، ويؤثر على حركة التجارة العالمية.

سباق السيطرة على الموارد الاقتصادية وتداعياته

ما يحدث في حضرموت يُنظر إليه على أنه جزء من سباق السيطرة على الموارد الاقتصادية، وخاصة منشآت النفط في وادي المسيلة. هذه المنشآت تحولت إلى ورقة ضغط تستخدمها الفصائل المتصارعة في لعبة النفوذ المحلي.

وحذر وزير الخارجية اليمني الأسبق، الدكتور عبد الملك المخلافي، من خطورة ما يجري في حضرموت، مؤكدًا أن هذه الأحداث لن تؤدي إلا إلى إطالة الأزمة اليمنية. ودعا المخلافي إلى ضمان أمن واستقرار وسلامة ووحدة محافظة حضرموت، باعتبارها مسؤولية وطنية تقع على عاتق مؤسسات الدولة.

تهديد اقتصادي وتأثير على مستقبل اليمن

يعتبر الخبير الاقتصادي وفيق صالح ما يجري في حضرموت تهديدًا خطيرًا لمستقبل الاقتصاد اليمني، حيث يضاعف من حالة عدم اليقين ويقوض أي جهود لإعادة إنتاج وتصدير النفط الخام. ويحذر صالح من أن الاقتصاد اليمني على موعد مع مرحلة صعبة من التراجع في مؤشرات الاستقرار، لا سيما مع شح الموارد وتصاعد نسبة العجز.

ويشير الخبير إلى أن الصراع المباشر للاستحواذ على حقول النفط ينهي أي آمال لعودة شركات النفط الأجنبية، ويخلق بيئة طاردة للاستثمار. هذا الوضع قد يؤدي إلى توقف عمليات الشركات الوطنية، كما حدث مؤخرًا مع إعلان شركة بترومسيلة إيقاف عملية الإنتاج.

مستقبل حضرموت: بين الانفصال والاستقرار

يرى المحلل السياسي اليمني الحضرمي، أمين با رفيد، أن المنطقة العسكرية الأولى كانت تمثل آخر امتداد فعلي للمحور الشرقي في وادي حضرموت وصحرائها، وأن سقوطها يمثل تحولًا تاريخيًا في مسار الصراع باليمن.

بينما يصف الخبير العسكري اليمني، العقيد محمد عبد الله الكميم، ما جرى بأنه “مسرحية باهتة”، معتبرًا أن الأحداث ليست وليدة اللحظة، بل هي جزء من سلسلة خطوات تهدف إلى اجتثاث المنطقة العسكرية الأولى وإلغاء دورها العسكري التاريخي.

في الختام، يواجه وادي حضرموت تحديات جسيمة تهدد استقراره ومستقبله الاقتصادي. سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على سيئون تمثل نقطة تحول في الصراع اليمني، وتتطلب تدخلًا عاجلًا من الأطراف المعنية لضمان أمن واستقرار المنطقة. من الضروري إيجاد حلول سياسية شاملة تعالج جذور الأزمة، وتحافظ على وحدة اليمن وسيادته. الأمن في حضرموت أصبح قضية إقليمية ودولية، ويتطلب تضافر الجهود لضمان عدم تحوله إلى بؤرة جديدة للتوترات والصراعات. الوضع في حضرموت يتطلب حوارًا وطنيًا يضم جميع الأطراف اليمنية، بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق جميع المكونات اليمنية، ويحقق السلام والاستقرار الدائمين.

شاركها.
اترك تعليقاً