في ظاهرة جيولوجية مثيرة للدراسة، ضرب زلزال هائل بلغت قوته 8.8 درجات على مقياس ريختر قبالة سواحل شرق روسيا مساء الثلاثاء، في منطقة كامتشاتكا المعروفة بنشاطها الزلزالي الشديد، لكنه بعكس التوقعات لم يُسفر عن تسونامي مدمر رغم اتساع نطاق الموجات عبر المحيط الهادي.

ومع شدة الزلزال وموقعه القريب من منطقة اندساس كاسكاديا قبالة الساحل الغربي لأميركا الشمالية والمعروفة بانزلاقات صفائحها التكتونية وزلازلها الهائلة، توقع كثيرون حدوث تسونامي مدمر يمتد أثره عبر المحيط الهادي، كما حدث في زلازل مشابهة سابقا.

لماذا نجا المحيط الهادي؟

ما حدث هذه المرة خالف كل التوقعات، فقد جاءت أمواج تسونامي خفيفة نسبيا، إذ لم تتجاوز بضعة أقدام في اليابان وهاواي وكاليفورنيا. فما الذي حدث؟ ولماذا نجا المحيط الهادي هذه المرة؟

وفقا لصحيفة واشنطن بوست، فإن الخبراء يعزون هذا التفاوت إلى مجموعة من العوامل المعقدة، من بينها عدم وقوع انهيارات أرضية تحت الماء، وطبيعة الانزلاق الأرضي الذي حدث على امتداد الصدع البحري، والذي جاء أقل عمقا وأكثر اتساعا من الزلازل الأكثر فتكا مثل زلزال اليابان عام 2011.

فقد وقع الزلزال الأخير على عمق 20 كيلومترا تحت قاع البحر، على مقربة من المكان الذي تلتقي فيه صفيحة المحيط الهادي مع صفيحة أميركا الشمالية، وهي منطقة اندساس كاسكاديا المعروفة تاريخيا بزلازلها الهائلة.

وتشير بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن الأرض تحركت أفقيا بين 20 و30 قدما على امتداد صدع يبلغ طوله نحو 480 كيلومترا.

وفي عام 1952، شهدت المنطقة واحدا من أقوى الزلازل المسجلة في التاريخ، إذ بلغت قوته 9 درجات تسبب في تسونامي عابر للمحيط أسفر عن دمار كبير في جزر هاواي. لذا كان من الطبيعي أن تُطلق إنذارات تسونامي على الفور في اليابان، وهاواي، والساحل الغربي للولايات المتحدة.

وتقول الصحيفة إن أنظمة التحذير من وقوع تسونامي أثبتت فاعليتها هذه المرة، حيث تحركت السلطات والسكان في هاواي والساحل الغربي الأميركي بسرعة، مما ساعد على تقليل الأضرار ومنع الخسائر البشرية. فقد أتاحت فترة الإنذار الكافية فرصة للإخلاء الآمن وإجراءات الحماية.

“شخصية الزلزال”… والفرق في التفاصيل

يرى دييغو ميلغار، مدير مركز علوم زلازل منطقة كاسكاديا بجامعة أوريغون، أن ما يميز الزلازل هو “شخصيته”، مشيرا إلى أن نمط حركة الصدع له تأثير حاسم على التسونامي.

فعلى سبيل المثال، حرّك الزلزال المدمر الذي ضرب اليابان عام 2011 الأرض لمسافة وصلت إلى 150 قدما، مما تسبب في أمواج بلغ ارتفاعها محليا 100 قدم، وأدى إلى مقتل الآلاف وإحداث كارثة نووية.

كما تسبب الزلزال في أضرار بملايين الدولارات في مدينة كريسنت سيتي قرب حدود ولاية أوريغون الأميركية، حيث جُرفت قطعة من رصيف ميناء، ولم تُسجّل أي إصابات بشرية. وأكد ألكسندر رابينوفيتش، من لجنة التسونامي الدولية، أن هذا يُعد نجاحا كبيرا لنظام التحذير المبكر.

أما زلزال كامتشاتكا الأخير، فرغم شدته فإن الانزلاق كان أوسع نطاقا وأقل عنفا، مما أنتج موجات تسونامي أقل تدميرا، وذلك يدل -بحسب واشنطن بوست- على أن العلم والتكنولوجيا والتنظيم يمكنهما إن أُحسن استخدامهما إحداث فرق حاسم في تجنب الكوارث.

وقال فياتشيسلاف غوسياكوف، الخبير في ظاهرة التسونامي لدى الفرع السيبيري من أكاديمية العلوم الروسية، إن السؤال الأكبر المطروح في الوقت الحالي هو: “لماذا كانت ارتفاعات الأمواج منخفضة نسبيا في الأماكن البعيدة عن مركز الزلزال؟”.

وأجاب أن أحد التفسيرات المحتملة يكمن في أنه لم يحدث انزلاق أرضي كبير في قاع البحر كان من الممكن أن يزيد من شدة التسونامي.

شاركها.
اترك تعليقاً