حماة- للمرة الأولى أصبح بإمكان المعلمة السورية منال كشتو، إحياء ذكرى مقتل العديد من أفراد عائلتها في مجزرة حماة الشهيرة التي ارتكبها النظام السوري عام 1982.
وروت كشتو، كيف قضى والدها منذر كشتو، وجدّها، وأعمامها الخمسة، ضحايا في المجازر المنسوبة لرفعت الأسد، شقيق الرئيس السوري حافظ الأسد، والتي قتل خلالها عشرات آلاف المدنيين بمدينة حماة فيما تُعرف بأحداث 1982.
وفيما تحيي مدينة حماة لأول مرة ذكرى المجزرة، تحدثّت منال كشتو عن فرحتها “التي لا توصف بعودة حق عائلتها وسوريا بعد أعوام من الظلم”، وطالبت بمحاسبة عائلة الأسد “التي نفذت المجازر ويتّمت عائلات بأكملها في حماة، وقتلت أطفالها واغتصبت نساءها في تلك الأيام”.
ووسط ساحة العاصي الشهيرة بمدينة حماة، شارك الآلاف ظهر أمس الجمعة، في إحياء ذكرى مرور 43 عاما على المجزرة التي نفذها نظام حافظ الأسد عام 1982، وراح ضحيتها أكثر من 40 ألف قتيل، وما يزيد على 100 ألف مفقود، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
جرح ينزف
وروى إبراهيم قندقجي، الرجل الأربعيني، كيف قُتل والده في سجن تدمر العسكري، مع أولاد عمّه، بعد اعتقالهم من منازلهم في أحداث 1982. وقال إن أبناء عائلته قُتلوا وشرّدوا من عائلة الأسد، وإن “حافظ الأسد وأخاه رفعت كانا يريدان أن يربّيا سوريا من خلال حماة، التي بدأت ثورتها في 1982، ولكن اليوم حماة حرّة وهي التي بقيت”.
وتتهم “سرايا الدفاع” التي كان يقودها رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد وبعض ألوية الجيش الأخرى، بارتكاب المجزرة التي استمرت منذ 2 فبراير/شباط 1982 ولمدة 28 يوما.
ولا تزال المجزرة جرحا ينزف في ذاكرة أهالي مدينة حماة، رغم فرحتهم واحتفالاتهم بتحرر سوريا بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي محاولة طمس المجزرة، يقول الأهالي إن دبابات ومدافع قوات حافظ الأسد هدمت أحياء بأكملها، ودمرت المقابر الجماعية التي حُفرت لدفن شهداء المجزرة. وأخفى نظام الأسد معالمها بشكل كامل، ويعتقد الأهالي بأنها تضم عشرات المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم.
صور الضحايا
ونزل الآلاف من أهالي المدينة إلى ساحة العاصي للمشاركة في إحياء “ذكرى مجزرة حماة الـ43″، وبدأت الفعاليات بأهازيج تنادي بمحاسبة بشار الأسد، وعمّه رفعت الأسد، تلاها استعراض لعدد من الفرسان الذين حملوا صور ضحايا المجزرة، ولافتات تحمل أسماءهم، كما حمل أبناء الضحايا وأحفادهم صورا وملصقات لهم.
وتخلل إحياء الذكرى، عرض عسكري لقوات الأمن العام والجيش العربي السوري الجديدة، وكلمة لمحافظ حماة، عبد الرحمن السهيان، قال فيها إن أبناء المدينة اليوم يعيشون فرحا كبيرا بتحرير مدينتهم من “طغاة الظلم والإجرام”، وإن “النصر تحقق على هذا النظام البائد بفضل دماء الشهداء وتضحيات الثوار الأحرار”.
وأكد السهيان ضرورة التمسك بإحياء هذه الذكرى دائما، لعدم نسيان دماء الشهداء ولتبقى ذكراهم خالدة في أذهان الأجيال المقبلة.
وشارك في الفعالية رموز من الثورة السورية، وسط أناشيد كانت تتردد في المدينة منذ بداية الثورة، للتذكير بتضحيات أبنائها ضد حكم الأسد منذ عام 1979 وصولاً للمظاهرات المليونية في 2011.
سجناء تدمر
تميّزت الفعالية بحضور السجناء المحررين من سجن تدمر من أبناء مدينة حماة، والذين اعتقلتهم قوات الأسد في 1982 وقضوا عشرات السنين في الأسر. ورُفعت خلال إحياء الذكرى لافتات بتوقيع “رابطة أحرار سجناء تدمر، فرع حماة”، وكُتب عليها “مجزرة حماة 1982، كشفت حقد الطاغية الأسد، على شعب يعشق الحرية”.
ومن هؤلاء السجين السابق عبد القادر حسن دنيا، في الستينيات من عمره، والذي اعتقل لمدة 15 عاما في أعقاب المجزرة. وقال للجزيرة نت بنظرات يملؤها الفرح “الحمد لله الذي أتمم علينا هذا النصر.. الذي بدأت جهوده منذ أيام الثمانينيات حتى وصولنا إلى ما نحن فيه في 2025”.
أما يحيى دقاق، وهو أيضا في الستينيات من عمره، فسجُن أيضا في سجن تدمر العسكري بعد حملات دهم واعتقال من الأمن السوري في 1980، وقضى 11 عاما في الأسر، وتحدّث عن فرحته بتحرر سوريا، ولحضوره ذكرى المجزرة في وسط المدينة بشكل علني، وطالب بمحاكمة بشار الأسد، وقال إن “هذا الفرح يجب أن يستمر 54 عاما، كما حكمنا نظام الأسد 54 عاما”.
بدوره، عبّر الشيخ عبد الناصر علوان، أو كما كان يطلق عليه “أبو إسلام الحموي”، أحد دعاة وأعلام الثورة السورية في حماة، عن فرحه، وقال إنه “يوم تاريخي من أيام حماة وسوريا، زغردت فيه أمهات الشهداء، واجتمعت فيه أرامل مع أبناء ذُبح آباؤهم، وسجن إخوانهم، وعاد الحق إلى أهله بعد عقود من الظلم والإجرام”.
وقال غياث رقية، وهو أحد منسقي فعالية “إحياء ذكرى مجزرة حماة الـ43″، “أعلنا عن إطلاق فعالية إحياء ذكرى المجزرة لأول مرة في وسط حماة، بعد سنوات من الثورة السورية”.
وأضاف أن الفعاليات ستستمر 3 أيام، ويتخللها ملتقى أدبي، وسماع شهادات حيّة لشهود عاشوا أحداث المجازر في حماة، وكذلك عرض مسرحي في اليوم الأخير من الفعاليات يحاكي الأحداث والمجازر ومعاناة الحمويين في ذلك العام، وما عاشوه خلال سنوات الثورة الماضية.