واشنطن- اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطوة مفاجئة وغير متوقعة بالتدخل الصريح في الانتخابات الرئاسية في جمهورية هندوراس، التي جرت يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأعلن دعمه المرشح اليميني نصري عصفورة الذي يواجه منافساً ليبرالياً هو سلفادور نصر الله، ومنافسة يسارية هي ريكسي مونكادا في انتخابات متقاربة للغاية لم تعلن نتائجها النهائية بعد. هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً حول دوافع الرئيس السابق وتأثيرها على مستقبل هندوراس وعلاقتها بالولايات المتحدة.
تدخل ترامب المباشر في انتخابات هندوراس
ضاعف ترامب اهتمامه وتدخله في شؤون هندوراس بإصداره عفواً رئاسياً على رئيسها السابق خوان أورلاندو هيرنانديز، الذي يقضي عقوبة 45 عاماً في سجن بولاية فيرجينيا الغربية بعد إدانته عام 2022 بتسهيل تهريب 400 طن من الكوكايين إلى الولايات المتحدة. هذا العفو أثار استياءً كبيراً، خاصة وأن هيرنانديز متهم من قبل الكثيرين في هندوراس بتحويل البلاد إلى دولة تجارة مخدرات.
مع عد وفرز 88% من الأصوات، حصل عصفورة مرشح الحزب الوطني على 40.19%، متقدماً بأقل من 20 ألف صوت على منافسه الوسطي سلفادور نصر الله من الحزب الليبرالي، الذي حصل على 39.49%، في حين ظلت ريكسي مونكادا من حزب الحرية اليساري الحاكم متأخرة في المركز الثالث بنسبة 19.30%. هذه النتيجة المتوازنة تعكس انقساماً عميقاً في المجتمع الهندوراسي.
دوافع ترامب ومصالح حلفائه
يقول المسؤول الاستخباري الأميركي السابق فولتون أرمسترونغ، الذي عمل على مدار ثلاثة عقود في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في عدة دول بأميركا الوسطى والجنوبية، “ترامب ليس مهتماً بهندوراس بحد ذاتها، بل يراها دولة أخرى يمكنه التدخل فيها لتعزيز السياسيين اليمينيين وجعلهم مدينين له، كجزء من إحيائه وتعميقه مبدأ مونرو”. هذا يشير إلى محاولة لإعادة تأكيد النفوذ الأمريكي في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، يضيف أرمسترونغ أن بعض حلفاء ترامب من السياسيين الأميركيين لديهم مصالح خاصة في دعم مرشحين يدافعون عن المناطق الاقتصادية الخاصة في هندوراس، والمعروفة باسم “زيدي” (ZEDE). هذه المناطق الاقتصادية الخاصة تثير جدلاً قانونياً وسياسياً في هندوراس، حيث يعتبرها الكثيرون غير دستورية. الاستثمار الأجنبي هو أحد العوامل الرئيسية التي تدفع هذا الدعم.
العفو عن هيرنانديز وتداعياته المحتملة
قبل أيام من الانتخابات الرئاسية في هندوراس، جاء عفو ترامب عن هيرنانديز، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي. تشير التقارير إلى أن العفو أقنع البعض بعدم التصويت لحزبه وصوتوا لنصر الله، على عكس ما كان يأمله ترامب ويدعيه من أن الكثير من الشعب الهندوراسي طلب منه العفو عن هيرنانديز.
وقال الرئيس ترامب لصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، الأحد الماضي، إن العديد من سكان هندوراس طلبوا منه العفو عن هيرنانديز، زاعماً أن “سجنه كان بتوجيه من الرئيس السابق جو بايدن. إنه رئيس وليس تاجر مخدرات”، لكن هذه الادعاءات قوبلت بشك واسع.
يقول البروفيسور ريموند كريب، أستاذ التاريخ في جامعة كورنيل، “اهتمام ترامب بالسياسة والانتخابات في هندوراس يأتي من عدة زوايا مختلفة، أولها أن الرئيسة الحالية زيومارا كاسترو ليست من نوعية المسؤولين التي يرغب ترامب وإدارته في رؤيتهم في السلطة، خاصةً مع مواصلة البيت الأبيض تهديد فنزويلا والسعي لعزل كوبا”.
سيناريوهات ما بعد الانتخابات وبدائل ترامب
ومع تقارب نتائج الانتخابات، يدفع عدد من الخبراء الأميركيين بضرورة دراسة السيناريوهات الممكنة، بما في ذلك سيناريو هزيمة مرشح ترامب. فهندوراس، رغم صغر حجمها (11 مليون نسمة) مقارنة بالولايات المتحدة (أصغر بـ87 مرة)، تحتل موقعاً استراتيجياً في أمريكا الوسطى، وتعد بوابه لتهريب المخدرات.
عن البدائل السياسية المتاحة لترامب حال خسارة مرشحه المفضل، نصري عصفورة، يقول البروفيسور كريب: “يجب أن تكون خيارات ترامب: الابتعاد عن الانتخابات وقضايا وسيادة هندوراس. أتخيل أنه إذا ادعى نصر الله الفوز بالانتخابات، فإن عصفورة وترامب وروبيو وجيه دي فانس سيعترضون، وربما يطلقون تهديدات”.
كما يرى أرمسترونغ أنه إذا لم يفز المرشح عصفورة، فإن ترامب سيتقبل -ولو على مضض- فوز سلفادور نصر الله بالرئاسة، خاصةً في ضوء الإشارات التي أرسلها قبل الانتخابات باستعداده للتعاون. ولكن في الوقت نفسه، يطرح سؤالاً هاماً: “لماذا نعفو عن هيرنانديز ثم نلاحق رئيس فنزويلا مادورو بسبب تهريب المخدرات إلى أميركا؟”
وبالنظر إلى هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في هندوراس، وانتشار الفساد والجريمة، بالإضافة إلى التدخل الخارجي، فإن مستقبل البلاد يعتمد على قدرة القوى السياسية على التوصل إلى توافق وطني، وأن تضع مصالح الشعب الهندوراسي فوق كل اعتبار. يبقى التساؤل حول ما إذا كان هذا التدخل الأمريكي سيؤدي إلى تحقيق الاستقرار أم سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع في هذا البلد الهام.















