في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعاني منها الضفة الغربية، تتفاقم معاناة آلاف العائلات الفلسطينية، خاصة تلك التي فقدت أبنائها إما بالشهادة أو الاعتقال. عائلة سليط، كغيرها من حوالي 40 ألف أسرة، تجد نفسها اليوم تواجه شبح الفقر والجوع بعد قرار قطع المخصصات المالية التي كانت تعتمد عليها كشريان حياة. هذه القضية تثير جدلاً واسعاً حول حقوق الأسرى والشهداء، والمسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاههم، وتلقي الضوء على التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الشعب الفلسطيني.
تداعيات قرار قطع المخصصات على عائلات الأسرى والشهداء
قرار قطع المخصصات، الذي اتخذته السلطة الفلسطينية مؤخراً، ألقى بظلاله القاتمة على حياة العديد من العائلات التي فقدت معيلها أو تعرض أحد أفرادها للاعتقال. عائلة سليط، من مخيم طولكرم، هي مثال حي على هذه المعاناة. فقدت العائلة ابنيها كشهداء، بينما يقضي الابن الثالث حكماً بالسجن المؤبد في سجون الاحتلال. قبل القرار، كانت مخصصات الأسرى والشهداء تشكل المصدر الوحيد للدخل لهذه العائلة، التي نزحت قسراً عن منزلها بعد عمليات عسكرية إسرائيلية في المنطقة.
تسنيم سليط، ابنة العائلة، عبرت عن صدمتها وألمها للجزيرة نت، مؤكدة أن والدها لم يعد قادراً على العمل بسبب تدهور حالته الصحية والنفسية. وأضافت أنهم اضطروا لإغلاق المطعم الصغير الذي كان يملكونه، والذي كان يمثل آخر ذكرى لأبنائها الشهداء، بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجار. الوضع لا يختلف كثيراً بالنسبة لعائلات أخرى، حيث يجد العديد من الآباء والأمهات أنفسهم عاجزين عن توفير أبسط متطلبات الحياة لأطفالهم.
معاناة الأسرى المرضى وتأثير قطع المخصصات
لا تقتصر المعاناة على عائلات الشهداء، بل تشمل أيضاً عائلات الأسرى المرضى. عز الدين عمارنة، والد الأسير مجاهد عمارنة، يروي قصة ابنه الذي يعاني من اضطراب نفسي نتيجة الاعتقال، مما أدى إلى عجزه بنسبة 60%. كان مجاهد يعتمد على راتب الأسير لتغطية تكاليف علاجه ونفقاته الشخصية، قبل أن يتم قطع هذا الراتب عنه.
ويؤكد عمارنة أن القضية ليست مجرد اقتصادية، بل هي قضية سياسية واجتماعية وأخلاقية. ويعتبر أن قطع مخصصات الأسرى يمثل تخلياً عنهم وعن حقوقهم، ورمياً لهم ولعائلاتهم في المجهول. هذا التخلي يفاقم من معاناتهم ويحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، مثل الحصول على الرعاية الصحية والعيش بكرامة. حقوق الأسرى هي جزء لا يتجزأ من النضال الفلسطيني.
الجدل الدستوري والقانوني حول القرار
يثير قرار قطع المخصصات جدلاً قانونياً ودستورياً. الوزير السابق لشؤون الأسرى، قدورة فارس، يرى أن القرار يتضمن خللاً دستورياً واضحاً، حيث أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص صراحة على وجوب أن يعيش الأسرى والشهداء والجرحى حياة كريمة. ويعتبر أن هذا الإجراء يمثل مساساً بهذا القانون وتجاوزاً دستورياً.
ويضيف فارس أن إلغاء حقوق الذين ضحوا وناضلوا يعني ضمنياً إعلان وقف الكفاح والمقاومة في مواجهة الاحتلال. كما ينتقد صمت الفصائل الفلسطينية، معتبراً أن هذا الصمت يمثل شريكاً في المسؤولية عن تداعيات هذا القرار الكارثي. الوضع في الضفة الغربية يتطلب تكاتفاً وطنياً لحماية حقوق أبناء الشعب الفلسطيني.
دور القيادة الفلسطينية ومؤسسة “تمكين”
أصدر الرئيس محمود عباس بياناً أوضح فيه حيثيات وقف المخصصات، ودور مؤسسة “تمكين” في هذا السياق، وربط ذلك ببرنامج الإصلاح الذي تتبناه القيادة الفلسطينية. وأشار إلى أن القرار يأتي ضمن رؤية إصلاحية شاملة تهدف إلى توحيد وتنظيم منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية، وضمان العدالة والشفافية والاستدامة في تقديم المخصصات.
ومع ذلك، يرى منتقدو القرار أن هذه المبررات لا تبرر المساس بحقوق الأسرى والشهداء. ويؤكدون أن القيادة الفلسطينية كان عليها أن تبحث عن مصادر تمويل بديلة قبل اتخاذ قرار بهذا الحجم، وأنها كان عليها أن تشرك الفصائل والأسرى وعائلاتهم في عملية صنع القرار.
رفض شعبي واسع وتصاعد الغضب
لقد واجه قرار قطع المخصصات رفضاً شعبياً واسعاً في الضفة الغربية وغزة. وتصاعد الغضب والاستياء بين الأسرى وعائلاتهم، الذين يعتبرون هذا القرار طعنة في الظهر وتنكراً لتضحياتهم. كما أدان العديد من النشطاء والمفكرين هذا القرار، مطالبين القيادة الفلسطينية بالتراجع عنه فوراً.
رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، رائد أبو الحمص، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، توفيق الطيراوي، أعربا عن رفضهما القاطع للقرار، مؤكدين أنه أضر بمئات الآلاف من الأسرى وعائلاتهم. ودعوا إلى توحيد كافة الجهود الفلسطينية لضمان حقوق الأسرى والشهداء وحماية كرامتهم.
في الختام، يمثل قرار قطع مخصصات الأسرى والشهداء في الضفة الغربية أزمة إنسانية واقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة. ويتطلب هذا القرار معالجة عاجلة وشاملة، من خلال إعادة النظر فيه وتوفير الدعم اللازم للأسرى وعائلاتهم، وضمان حقوقهم الإنسانية والوطنية. إن تجاهل هذه القضية سيؤدي إلى تفاقم المعاناة وزيادة الغضب والاستياء، مما قد يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية. يجب على جميع الأطراف الفلسطينية العمل معاً لإيجاد حلول مستدامة تضمن حياة كريمة للأسرى وعائلاتهم، وتحافظ على كرامتهم وحقوقهم.















