في خضم التطورات السياسية والإعلامية المتسارعة، يبرز تحقيق استقصائي نشرته مجلة “+972” الإسرائيلية، يكشف عن مشروع إعلامي طموح تقوده عائلة إليسون، بقيادة الملياردير لاري إليسون وابنه ديفيد، يهدف إلى إعادة تشكيل السردية الأمريكية لصالح إسرائيل. هذا التحقيق يلقي الضوء على جهود متزايدة للتأثير في الرأي العام الأمريكي، خاصةً في ظل التحديات التي تواجهها إسرائيل في مجال الإعلام الدولي.

مشروع إعلامي واسع النطاق: عائلة إليسون وتأثيرها المتزايد

بدأ التحقيق بالتركيز على مسلسل “الإنذار الأحمر” (Red Line)، الذي وصفه منتجوه بأنه عمل دعائي يهدف إلى تغيير الرواية المتعلقة بأحداث 7 أكتوبر 2023. ورغم عدم إقبال عالمي على المسلسل بسبب حساسيته السياسية وحملات المقاطعة، إلا أنه وجد طريقه إلى الجمهور الأمريكي بعد دعم ديفيد إليسون الشخصي له. هذا الدعم لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع تتبناها العائلة لبناء ما يصفه التقرير بـ “إمبراطورية معلوماتية مؤيدة لإسرائيل”.

الاستحواذ على شركات إعلامية كبرى

توسعت عائلة إليسون من خلال سلسلة من الاستحواذات الاستراتيجية في قطاع الإعلام. بدأت بالاستحواذ على شركتي “باراماونت” و”سي بي إس”، ثم شراء منصة “ذا فري برس” وتعيين باري وايس، المعروفة بمواقفها المؤيدة لإسرائيل، رئيسة لـ”سي بي إس نيوز”. هذه الخطوات تعكس رغبة واضحة في السيطرة على المنابر الإعلامية الرئيسية وتوجيهها نحو خدمة أجندة معينة.

بالإضافة إلى ذلك، اتخذت “باراماونت سكاي دانس” موقفًا فريدًا بين استوديوهات هوليود الكبرى بإدانة حملات مقاطعة السينما الإسرائيلية، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك بإعداد “قوائم سوداء” لفنانين اتُهموا بمعاداة السامية. هذه الإجراءات تثير تساؤلات حول حرية التعبير والتأثير الخارجي على صناعة الترفيه.

تيك توك: ساحة معركة جديدة في حرب السرديات

لا يقتصر طموح عائلة إليسون على الشركات الإعلامية التقليدية، بل يمتد ليشمل منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها تيك توك. ففي الوقت الذي تسعى فيه العائلة للاستحواذ على أصول من “وورنر بروس ديسكفري”، تشارك أيضًا في الصفقة الأمريكية لشراء تيك توك، وهي صفقة وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها “الأهم حاليًا”.

مخاوف إسرائيلية من محتوى تيك توك

تكمن أهمية تيك توك بالنسبة لإسرائيل في قدرته على الوصول إلى جمهور واسع، خاصةً الشباب الأمريكي. هناك مخاوف إسرائيلية من أن المنصة قد تستمر في استضافة محتوى يُظهر “مجازر غزة”، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الرأي العام الأمريكي. سارة هورويتز، كاتبة خطابات سابقة للرئيس باراك أوباما، عبرت عن قلقها من أن الشباب اليهود يتأثرون بفيديوهات المذبحة في غزة على تيك توك، مما يجعل من الصعب عليهم تبني وجهات نظر مؤيدة لإسرائيل.

تأثير على غرف الأخبار وتغطية الأحداث

أظهرت التحقيقات تأثيرًا ملموسًا لسيطرة عائلة إليسون على غرف الأخبار. فبعد تولي باري وايس قيادة “سي بي إس”، طالت إقالات صحفيين غطوا غزة بحدة، بينهم المراسلة المخضرمة ديبورا باتا. تشير المصادر الداخلية إلى أن “الفأس وقع على من بدت تغطيتهم مناهضة لإسرائيل”، بينما بقي مراسل آخر كان يعرب صراحة عن مواقفه المؤيدة لإسرائيل. هذه التغييرات تثير مخاوف بشأن استقلالية الصحافة وحرية التعبير.

مستقبل الإعلام الأمريكي وتأثير السردية الإسرائيلية

على الرغم من تحذيرات المحللين من المبالغة في تقدير النفوذ الجديد، يرى الكثيرون أن أي توسع إضافي لعائلة إليسون سيمنحها تأثيرًا غير مسبوق على الإعلام الأمريكي. هذا التأثير قد يقود إلى نموذج مشابه للدول التي “لا توجد فيها صحافة حرة”، كما تقول الصحفية تايلور لورينز.

في المقابل، تحتفي الأصوات المؤيدة لإسرائيل بهذا التحول، معتبرةً أنه يمثل فرصة لإعادة “صياغة القصة” أمام الجمهور الأمريكي. فبعد عرض “الإنذار الأحمر”، علقت إحدى الناشطات المؤيدات لإسرائيل قائلةً: “لقد دخل الصهاينة إلى هوليود هذه الليلة”.

في الختام، يكشف هذا التحقيق عن جهود متزايدة للتأثير في الرأي العام الأمريكي من خلال السيطرة على المنابر الإعلامية الرئيسية. هذه الجهود تثير تساؤلات مهمة حول حرية التعبير، واستقلالية الصحافة، ومستقبل الإعلام الأمريكي. من الضروري متابعة هذه التطورات وتحليلها بعناية لفهم تأثيرها على المشهد السياسي والإعلامي العالمي، بالإضافة إلى فهم دور التأثير الإعلامي في تشكيل الوعي العام.

شاركها.
اترك تعليقاً