في الأسابيع الأخيرة، تداول الحديث عن خطة أمريكية جديدة للتعامل مع قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، خطة تثير جدلاً واسعاً وتساؤلات حول مستقبل القطاع وأهله. كشفت صحيفة الغارديان البريطانية تفاصيل هذه الخطة، التي تقوم على تقسيم غزة إلى منطقتين متباينتين: “المنطقة الخضراء” و”المنطقة الحمراء”. هذا المقال يتناول تفاصيل هذه الخطة المثيرة للجدل، التحديات التي تواجهها، وردود الفعل عليها، مع التركيز على مصير قطاع غزة في ظل هذه التطورات.

خطة التقسيم الأمريكية لغزة: تفاصيل “المنطقة الخضراء” و”المنطقة الحمراء”

وفقًا لوثائق تخطيط عسكرية اطلعت عليها صحيفة الغارديان، فإن الخطة الأمريكية ترتكز على إنشاء “منطقة خضراء” تخضع للسيطرة المباشرة للقوات الإسرائيلية وقوة دولية يجري تشكيلها. ستكون هذه المنطقة هي الوحيدة التي يُسمح فيها بإطلاق مشاريع إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية. في المقابل، ستظل “المنطقة الحمراء” – حيث يعيش حاليًا أكثر من مليوني فلسطيني بعد تهجيرهم من مناطق أخرى في القطاع – مدمرة، بلا خطط واضحة لإعادة البناء أو توفير أي نوع من الخدمات.

إعادة الإعمار مقابل التهميش: رؤية أمريكية مثيرة للجدل

الخطة لا تخفي حقيقة أن إعادة توحيد قطاع غزة هو هدف بعيد المنال، وأن التقسيم الحالي هو أمر واقع لا مفر منه. يرى المسؤولون الأمريكيون أن وجود قوة دولية في “المنطقة الخضراء” سيخلق بيئة أكثر استقرارًا، مما قد يشجع الفلسطينيين على الانتقال إليها طوعًا، متأثرين بالفارق الشاسع في مستوى المعيشة والخدمات بين المنطقتين. يهدف هذا النهج إلى تحقيق إعادة توحيد تدريجية لغزة من خلال الهجرة الداخلية، ولكن دون أي جدول زمني محدد.

قوة دولية في غزة: التحديات السياسية والعملياتية

تعتمد الخطة الأمريكية بشكل كبير على إنشاء “قوة استقرار دولية” تلعب دورًا محوريًا في “الخطة ذات النقاط العشرين” التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. تسعى واشنطن للحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي لنشر هذه القوة في مناطق شرقي غزة، لكنها تواجه معارضة قوية من روسيا والصين.

تشكيلة القوة الدولية: مساهمات محتملة وردود فعل أوروبية

تشير التصورات الأولية إلى أن القوة الدولية ستضم قوات أوروبية، بما في ذلك ما يصل إلى 1500 جندي بريطاني متخصصين في التفكيك الهندسي والإسعاف العسكري، و1000 جندي فرنسي، بالإضافة إلى مساهمات لوجستية وطبية من ألمانيا وهولندا ودول الشمال الأوروبي. ومع ذلك، وصفت مصادر دبلوماسية وأوروبية هذه الخطة بأنها “وهمية”، حيث أن معظم العواصم الأوروبية غير مستعدة للانخراط في مهمة قد تعرض جنودها للخطر أو تجعلهم متورطين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حتى الآن، أبدت إيطاليا فقط استعدادًا مبدئيًا لإرسال قوات، بينما أكد الأردن صراحةً أنه لن يرسل أي قوات إلى غزة.

حدود القوة الدولية: “الخط الأصفر” ومستقبل الانسحاب الإسرائيلي

توضح الوثائق الأمريكية أن عمل القوة الدولية سيقتصر على “المنطقة الخضراء” ولن يتجاوز “الخط الأصفر”، وهو خط السيطرة الإسرائيلي الحالي الذي يقسم القطاع فعليًا إلى شطرين. لا تتوقع الولايات المتحدة أن تغادر القوات الدولية المنطقة الخضراء لحماية المدنيين في الجانب الآخر، حيث من المتوقع أن تستعيد حركة حماس نفوذها.

دور القوات الإسرائيلية والشرطة الفلسطينية: رؤية محدودة

تنص الخطة على أن الجيش الإسرائيلي “سينظر في شروط الانسحاب” فقط بعد استكمال نشر القوة الدولية واستقرار الوضع، دون تحديد أي إطار زمني. أما فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني، فتقترح خطة ترامب إنشاء قوة شرطة فلسطينية “بعيدة المدى” لإدارة الأمن الداخلي، لكن الدور المخصص لها محدود للغاية: 200 عنصر في البداية، ترتفع إلى 4 آلاف خلال عام، أي نحو 20% فقط من القوة الأمنية الكلية التي ستعمل في القطاع.

مخاوف من تكرار التجارب الفاشلة: هل ستكون “المنطقة الخضراء” معزولة؟

يثير هذا التصور تساؤلات حول إمكانية تكرار التجارب الأمريكية الفاشلة في العراق وأفغانستان، حيث تحولت “المناطق الخضراء” إلى جيوب محصنة تعيش فيها القوات الغربية بمعزل عن السكان، ولم تنجح في خلق بيئة آمنة أو في كسب ثقة السكان المحليين. هناك قلق من أن هذا التقسيم سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في “المنطقة الحمراء” وزيادة حدة الانقسامات الداخلية في فلسطين.

في الختام، تظل خطة التقسيم الأمريكية لغزة مثيرة للجدل وتواجه تحديات سياسية وعملياتية كبيرة. مستقبل قطاع غزة وأهله يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على إيجاد حلول مستدامة تضمن الأمن والاستقرار والكرامة لجميع الفلسطينيين، وتتجاوز منطق التقسيم والتهميش. هل ستنجح هذه الخطة في تحقيق الاستقرار، أم ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية في غزة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version