في تطور يثير القلق، دخل ثمانية نشطاء من حركة “فلسطين أكشن” في إضراب عن الطعام داخل السجون البريطانية، احتجاجًا على احتجازهم وتصنيف حركتهم كـ”إرهابية”. هذا الإضراب، الذي بدأ في سجن برونزفيلد ثم امتد إلى سجن نيو هول، يسلط الضوء على قضية حقوقية وسياسية معقدة، ويضع الحكومة البريطانية أمام اختبار حقيقي في التعامل مع الاحتجاجات السلمية. وتزايدت المخاوف بشأن صحتهم بعد نقل سبعة منهم إلى المستشفى، مما دفع إلى دعوات بالإفراج عنهم أو على الأقل فتح حوار معهم.
تفاصيل الإضراب عن الطعام وأسباب الاحتجاج
بدأ الإضراب عن الطعام بقيصر زُهرة (20 عامًا) وآمو جيب (30 عامًا) في سجن برونزفيلد، ثم انضمت إليهم هبة مورايسي (31 عامًا) في سجن نيو هول. لاحقًا، شارك توتا خوجة (29 عامًا) وكمران أحمد (28 عامًا) ولوي تشياراميلو (22 عامًا) في الإضراب، بينما اضطر البعض الآخر لتعليقه بسبب تدهور حالتهم الصحية.
السبب الرئيسي وراء هذا الإضراب هو الاحتجاج على الاعتقال والاتهامات الموجهة للنشطاء، بالإضافة إلى حظر حركة “فلسطين أكشن” بموجب قوانين مكافحة الإرهاب. النشطاء يرفضون هذه الاتهامات ويعتبرونها محاولة لقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين.
التهم الموجهة للنشطاء
يواجه بعض المضربين عن الطعام اتهامات تتعلق باقتحام قاعدة برايز نورتون الجوية التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في يونيو/حزيران الماضي. بينما يواجه آخرون اتهامات تتعلق باقتحام شركة إلبيت سيستمز للصناعات الدفاعية في عام 2024. الجدير بالذكر أن جميع المتهمين ينفون التهم المنسوبة إليهم، ويؤكدون أن أفعالهم كانت سلمية وتهدف إلى التعبير عن رفضهم للسياسات البريطانية تجاه فلسطين.
مطالب المضربين وردود الفعل الرسمية
مطالب المضربين عن الطعام تتضمن ثلاثة نقاط رئيسية: الإفراج عنهم بكفالة، ورفع الحظر عن حركة “فلسطين أكشن”، وإغلاق شركة إلبيت سيستمز، المتهمة بتزويد إسرائيل بتقنيات عسكرية تستخدم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ردود الفعل الرسمية كانت باردة، حيث انتقد محامو النشطاء رفض وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الاجتماع بهم. كما نقلت صحيفة غارديان عن رئيس الوزراء كير ستارمر قوله إن “القواعد والإجراءات اللازمة” يتم اتباعها بحق المساجين، وذلك بعد توجيه أسئلة له حول سبب رفض وزرائه الاجتماع بممثلي المضربين. وزير السجون جيمس تيمبسون أكد بدوره أن مصلحة السجون “ذات خبرة كبيرة” في التعامل مع الإضرابات عن الطعام، وأنها “لن تجتمع” مع أي من السجناء أو ممثليهم.
المخاطر الصحية المتزايدة
تثير حالة المضربين عن الطعام قلقًا بالغًا بشأن صحتهم وسلامتهم. أكد بعض النشطاء لممثليهم القانونيين وجود نقص أو تأخير في المراقبة الطبية والعلاج، مما أدى إلى نقل سبعة منهم إلى المستشفى، وخمسة منهم احتاجوا إلى دخول المستشفى أكثر من مرة.
الدكتور جيمس سميث، طبيب طوارئ ومحاضر في كلية لندن الجامعية، والذي يتواصل مع بعض النشطاء وعائلاتهم، حذر من أن بعض المضربين عن الطعام “يموتون ببطء”. وأوضح أن الجسم، بعد حوالي ثلاثة أسابيع من الإضراب، يبدأ في استنفاد مخزون الدهون والاعتماد على تكسير العضلات وأنسجة الأعضاء لتوليد الطاقة، مما يزيد من خطر حدوث خلل جسدي مفاجئ وغير متوقع. هذا التحذير يضع ضغوطًا إضافية على الحكومة البريطانية للتحرك بشكل عاجل.
احتجاجات شعبية وتضامن دولي
لم يقتصر الأمر على الإضراب عن الطعام، بل شهدت العاصمة البريطانية لندن احتجاجات واسعة النطاق في ميدان بيكاديلي، حيث قادت الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ حشودًا من المتضامنين الذين أغلقوا الميدان احتجاجًا على استمرار احتجاز النشطاء.
المحتجون رفعوا شعارات تطالب بالإفراج عن المضربين أو فتح قنوات حوار رسمية معهم، وحملوا الحكومة البريطانية مسؤولية تعريض حياتهم للخطر. كما عبر العديد من الناشطين عن غضبهم من صمت الحكومة، معتبرين أنه يتناقض مع القيم التي دافع عنها كير ستارمر قبل توليه رئاسة الحكومة، خاصةً كونه محاميًا سابقًا في مجال حقوق الإنسان. هذه الاحتجاجات تعكس تزايد الغضب الشعبي والتضامن مع النشطاء المضربين عن الطعام. كما أن القضية بدأت تجذب اهتمامًا دوليًا، مما يزيد من الضغوط على الحكومة البريطانية.
مستقبل القضية وتداعياتها المحتملة
قضية النشطاء المضربين عن الطعام تثير تساؤلات حول حدود حرية التعبير والاحتجاج في المملكة المتحدة، وكيفية التعامل مع الحركات التي تنتقد السياسات الحكومية. من الواضح أن استمرار الإضراب عن الطعام دون تدخل من الحكومة قد يؤدي إلى تدهور صحي خطير للنشطاء، وربما إلى عواقب وخيمة.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي هذه القضية إلى تصعيد الاحتجاجات الشعبية وزيادة التوتر السياسي في البلاد. كما أنها قد تلقي بظلالها على صورة المملكة المتحدة كدولة تحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية. لذلك، من الضروري أن تتخذ الحكومة البريطانية خطوات ملموسة لمعالجة مطالب المضربين عن الطعام، وإيجاد حل سلمي لهذه الأزمة. من بين الحلول الممكنة، النظر في الإفراج عن النشطاء بكفالة، وفتح حوار معهم حول قضاياهم، وإجراء تحقيق مستقل في الاتهامات الموجهة إليهم. التعامل الحكيم مع هذه القضية سيساهم في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي في المملكة المتحدة، وتعزيز صورتها كدولة ملتزمة بحقوق الإنسان. الوضع الحالي يتطلب حلاً سريعًا وفعالًا قبل أن تتفاقم الأمور وتخرج عن السيطرة. التركيز على الحوار والتفاوض هو السبيل الأمثل لإنهاء هذا الاحتجاج السلمي.


