يشهد العالم تحولات عميقة وتحديات متزايدة، ووفقًا لتقرير حديث صادر عن مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، فقد سجل عام 2025 مستويات غير مسبوقة من الصراعات والعنف على نطاق واسع. هذا العنف المتصاعد، الذي يمثل محور هذا المقال، أثر بشكل كبير على حياة المدنيين، وتسبب في نزوح جماعي، وزاد من الإنفاق العسكري العالمي، وألقى بظلاله على مستقبل النظام الدولي. نتعمق في هذا التقرير لاستكشاف الحقائق والإحصائيات الرئيسية التي تكشف عن هذه الصورة القاتمة، ونتناول بشكل خاص تداعيات هذه الصراعات.

تصاعد العنف العالمي في عام 2025: تحليل وتقييم

يشير التقرير إلى أن العنف ضد المدنيين بلغ ذروته في عام 2025، مع تسجيل أكثر من 56 ألف حادثة عنف استهدفتهم. وهو أعلى رقم خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعكس تدهورًا خطيرًا في الأمن الإنساني حول العالم. ويرجع هذا التصاعد إلى عدة عوامل، بما في ذلك اشتداد حدة النزاعات المسلحة في مناطق مختلفة، وتزايد أنشطة الجماعات المتطرفة، والتهاون في محاسبة مرتكبي الجرائم ضد المدنيين.

دور الجماعات المسلحة والقوات الحكومية

وفقًا لبيانات “مشروع موقع النزاعات المسلحة”، كانت الجماعات المسلحة مسؤولة عن حوالي ثلثي هذا العنف، مما ساهم في 59% من وفيات المدنيين. وتبرز حالات السودان، حيث ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة النطاق، والإكوادور وهايتي والمكسيك، كمناطق تشهد نشاطًا إجراميًا متزايدًا.

في المقابل، ارتفعت نسبة الهجمات التي نفذتها قوات حكومية إلى 35% مقارنة بنسبة 20% في عام 2020. ويتحمل كل من إسرائيل وروسيا وميانمار المسؤولية الأكبر عن هذه الزيادة، مما يثير تساؤلات حول التزام هذه الدول بالقانون الدولي وحماية المدنيين. هذا الارتفاع في العنف يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع الدولي، ويتطلب تدخلًا عاجلاً لوقف إراقة الدماء وحماية الضعفاء.

النزوح القسري: أزمة إنسانية متفاقمة

تسببت النزاعات المسلحة في دفع ملايين الأشخاص إلى النزوح القسري، حيث بلغ عدد المهجرين قسراً حول العالم أكثر من 117 مليون شخص حتى يونيو 2025، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يشمل هذا الرقم 42.5 مليون لاجئ و67.8 مليون نازح داخليًا.

هذه الأرقام المذهلة تعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها ملايين الأشخاص الذين أجبروا على ترك منازلهم وأحلامهم بسبب العنف والاضطهاد. النزوح لم يعد مجرد أزمة مؤقتة، بل أصبح ظاهرة مزمنة، حيث تجاوز عدد المهجرين عالميًا 123 مليون شخص في عام 2024. هذا يتطلب حلولاً طويلة الأجل لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح وتوفير الحماية والمساعدة للمهجرين.

الإنفاق العسكري العالمي: سباق تسلح مقلق

سجل الإنفاق العسكري العالمي ارتفاعًا قياسيًا في عام 2024، حيث وصل إلى 2.7 تريليون دولار، وهو أكبر زيادة سنوية منذ نهاية الحرب الباردة. هذا الارتفاع يعكس حالة عدم الثقة المتزايدة بين الدول، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، والرغبة في تعزيز القدرات العسكرية.

تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الأكثر إنفاقًا على الدفاع، حيث أنفقت 37% من إجمالي الإنفاق العالمي. تليها الصين بنسبة 12% ثم روسيا بنسبة 5.5%. ولكن اللافت للانتباه هو التقدم الكبير الذي حققته ألمانيا، حيث انتقلت من المركز السابع في عام 2023 إلى المركز الرابع في عام 2024، متجاوزة بذلك الهند. هذا التحول يعكس قلق أوروبا المتزايد بشأن الأمن الإقليمي، واستعدادها لزيادة إنفاقها الدفاعي.

تحولات في سياسات الدفاع داخل حلف الناتو

استجابة للحرب في أوكرانيا وضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كثفت دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إنفاقها الدفاعي. وطالب ترامب دول الناتو برفع إنفاقها الدفاعي من 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لتخفيف العبء عن واشنطن.

وبحلول نهاية عام 2025، تجاوزت جميع دول الحلف عتبة 2%، مما سيضخ 156 مليار دولار إضافية في ميزانية الدفاع الجماعي للحلف خلال السنوات الخمس المقبلة. هذا يشير إلى أن حلف الناتو يتخذ خطوات جادة لتعزيز قدراته الدفاعية، والاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.

فلسطين: ساحة العنف الأكثر دموية للصحفيين

تعتبر الحرب في غزة الأخطر على الصحفيين في التاريخ الحديث، حيث تجاوز عدد الضحايا فيها مجموع الصحفيين الذين قتلوا في الحرب الأهلية الأمريكية، والحربين العالميتين الأولى والثانية، وحروب فيتنام وأفغانستان مجتمعة. هذا يمثل انتهاكًا صارخًا لحرية الصحافة، ويقوض قدرة العالم على فهم ما يحدث في غزة.

وفقًا لمنظمة مراسلين بلا حدود، قُتل 67 صحفيًا حول العالم حتى الأول من ديسمبر، كان 43% منهم في غزة وحدها. وتتهم منظمة “لجنة حماية الصحفيين” جيش الاحتلال الإسرائيلي بالتعمد في استهداف الإعلاميين في غزة لطمس الحقائق، بينما يواجه الصحفيون هناك ظروفًا قاسية تشمل القصف المباشر والنزوح والمجاعة. هذا العنف ضد الصحفيين يجب أن يتوقف فورًا، ويجب محاسبة المسؤولين عنه.

الخلاصة: مستقبل مضطرب يتطلب حلولًا عاجلة

تعكس هذه الأرقام مجتمعة هشاشة النظام الدولي، وعجزه المتزايد عن احتواء الصراعات أو حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والإعلامي. مع اقتراب العالم من عام 2026، يواجه المجتمع الدولي أزمات متفاقمة تتطلب حلولًا عاجلة وشاملة. يتطلب ذلك تعزيز الدبلوماسية والوساطة، ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، وتوفير الحماية والمساعدة للمتضررين، وضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة. إن مستقبل العالم يعتمد على قدرتنا على العمل معًا لمواجهة هذه التحديات، وبناء عالم أكثر سلامًا وعدلاً.

هل لديك أي أسئلة أخرى حول العنف العالمي أو ترغب في استكشاف جوانب أخرى من هذا الموضوع؟

شاركها.
اترك تعليقاً