بيروت شهدت اليوم الاثنين مراسم تشييع حاشدة للقائد العسكري البارز في حزب الله، هيثم الطبطبائي، الذي اغتيل في غارة إسرائيلية استهدفت منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية. هذا الاغتيال، الذي يأتي بعد أقل من 24 ساعة على وقوعه، أثار حالة من الاستنفار الأمني المتزايد على جانبي الحدود، مع إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن رفع مستوى الجاهزية في شماله. الحدث يطرح تساؤلات حول دوافع تل أبيب من وراء هذا الاستهداف، وما إذا كان يمثل تصعيدًا جديدًا في الصراع الدائر. هذه الورقة تسلط الضوء على تفاصيل الحادث، ردود الأفعال على المستويات المختلفة، وتحليل للرسائل التي قد تحملها هذه العملية.

هيثم الطبطبائي: من هو القائد العسكري الذي استهدفته إسرائيل؟

هيثم الطبطبائي، بحسب مصادر أمنية لبنانية، كان يشغل منصب القائد العسكري لحزب الله بعد اغتيال فؤاد شكر في العام الماضي. يُعتبر استهدافه تطوراً نوعياً في طبيعة العمليات الإسرائيلية، حيث أنه أول استهداف لشخصية بهذا المستوى في الضاحية الجنوبية منذ يونيو/حزيران الماضي، وخلال فترة وقف إطلاق النار. التركيز على شخصية قيادية بارزة كهذه يشير إلى محاولة إسرائيلية لتقويض القدرات العملياتية للحزب وتقليل نفوذه. كما شُيّع إلى جانبه اثنان من مقاتلي الحزب سقطا في الغارة نفسها، فيما أعلن الحزب في وقت سابق عن مقتل أربعة من عناصره في الضربة ذاتها، مما يعكس حجم العملية وأثرها.

ردود الفعل على الاغتيال: استنفار وتأهب

عقب الاغتيال، سارع حزب الله إلى إعلان الحداد واستعداداته للرد. النائب في المجلس السياسي للحزب، محمود قماطي، أكد أن “كل الخيارات مفتوحة بخصوص الرد”، في إشارة إلى أن الحزب لا يستبعد أي شكل من أشكال التصعيد. في المقابل، أعلن جيش الاحتلال عن بدء مناورات عسكرية مفاجئة على مستوى القيادة العليا في هيئة الأركان بمنطقة الجليل الشرقي، بهدف محاكاة سيناريوهات اندلاع حرب وكيفية إدارتها. هذا التحرك الإسرائيلي يعكس حالة التأهب القصوى التي فرضت على كافة المستويات، وخصوصاً مع نشر منظومة الدفاع الصاروخي في حالة استعداد قصوى في شمال البلاد.

شهادات من مراسم التشييع: عزيمة وإصرار

مراسم التشييع الحاشدة التي انطلقت من الغبيري باتجاه روضة الشهداء في الضاحية، عكست مدى التقدير الذي يحظى به القائد هيثم الطبطبائي بين مناصري الحزب. المواطنون الذين شاركوا في التشييع أعربوا عن اعتزازهم بشهدائهم وقادتهم، مؤكدين على استمرار مسيرة المقاومة والتضحية. محمد عمار، أحد المشاركين، قال: “قادتنا لا يختبئون، بل يبقون دائما في الواجهة وبين الناس. هذه المسيرة صاغها الشهداء من كبار القادة إلى أصغر المقاتلين.” فيما أكدت نجوى عبد العال، وهي أم شهيد فلسطينية من جنوب لبنان، أن قضيتي فلسطين ولبنان مرتبطتان، وأن الصمود هو الخيار الوحيد في مواجهة الظلم والاعتداءات الإسرائيلية. هيثم الطبطبائي أصبح رمزاً جديداً في هذا السياق.

تحليل سياسي: رسائل متعددة من وراء الاستهداف

المحللون السياسيون يرون أن استهداف الضاحية الجنوبية يمثل تطورًا خطيرًا يعبر عن دخول مرحلة جديدة من التصعيد الإسرائيلي. علي مطر، المحلل السياسي، أوضح أن الغارة تحمل رسائل متعددة، منها:

  • رسالة إلى الدولة اللبنانية بأنها مكشوفة أمنياً.
  • رسالة إلى حزب الله عبر استهداف شخصية على صلة بملف “إعادة التعافي”.
  • رسالة إلى الدول المنخرطة في المساعي الدبلوماسية.
  • رسالة إلى بيئة المقاومة في محاولة للضغط عليها.

ويرى مطر أن الحزب لا يسعى إلى الانزلاق إلى مواجهة واسعة قد تُستثمر ضده سياسياً، وأن أولويته في هذه المرحلة هي إعادة التعافي وحماية لبنان. لكن هذا لا ينفي وجود خيارات الرد المتاحة، والتي سيتم تقديرها بناءً على الظروف الميدانية والسياسية.

مواقف حزب الله: بين الحذر والجاهزية

من جانبه، يرى المحلل علي أحمد أن استهداف الضاحية هو محاولة إسرائيلية لإظهار قلقها من تطور قدرات الحزب وسرعة استعادة جهوزيته الميدانية. ويشير إلى أن إسرائيل تترصد أي ثغرة في صفوف الحزب، وأن هذا الاستهداف يندرج ضمن معادلة المواجهة المفتوحة التي يخوضها الحزب منذ سنوات. ويؤكد أن الحزب وجّه رسالته بوضوح، فهو لا يتجه إلى بدء حرب، لكنه يقف في جهوزية كاملة للدفاع عن لبنان إذا قررت إسرائيل الذهاب بعيداً. و يرى أن الحزب قد قطع شوطاً كبيراً في إعادة بناء قدراته، وأن الضربة الأخيرة لن تؤدي إلى تراجع، بل قد تدفع إلى تسريع وتيرة التعافي والاستعداد.

مسؤولية الدولة اللبنانية: موقف واضح وحماية السيادة

يؤكد المحللون على أهمية اتخاذ الدولة اللبنانية موقفًا واضحًا لا لبس فيه من الاغتيال، واعتباره اعتداءً مباشرًا وخرقًا صريحًا للاتفاقات القائمة. ويرون أنه ينبغي على الدولة أن توضح للمجتمع الدولي أن لبنان قدم خلال الأشهر الماضية مبادرات ومساعي تفاوضية، وجميعها قوبلت إما برفض إسرائيلي مباشر أو بتجاهل كامل. هذا الموقف الواضح يساهم في حماية الرواية اللبنانية ومنع قلب الحقائق، والتأكيد على حق لبنان في الدفاع عن سيادته في مواجهة الاعتداءات المتكررة. الاستهداف الأخير يضع الدولة نصب أعينها مسؤولية كبيرة في حماية أمنها واستقرارها. الوضع الأمني يتطلب تحركاً سريعاً.

في الختام، يمكن القول أن اغتيال هيثم الطبطبائي يمثل تصعيداً خطيراً في الصراع الدائر، ويحمل رسائل متعددة من تل أبيب. الرد على هذا الاغتيال سيحدد مسار الأحداث في الأيام والأسابيع القادمة، ويتطلب إدارة حكيمة وحذرًا شديدًا من جميع الأطراف المعنية، لمنع الانزلاق إلى حرب شاملة قد يكون لها تداعيات كارثية على المنطقة.

شاركها.
اترك تعليقاً