غزة- في الوقت الذي يعلن فيه الاحتلال الإسرائيلي عن خطط لتوسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة، يجد المدنيون أنفسهم محاصرين بين “الموت والتشرد والجوع”، بلا أفق واضح للنجاة.

وأثارت التهديدات الإسرائيلية بتوسيع العدوان ليشمل احتلال القطاع، وإجبار سكانه على النزوح إلى مناطق معزولة في جنوبه تمهيدا لتهجيرهم، خوف الغزيين وتساؤلاتهم عن الخيارات المتاحة لهم للنجاة من هذا المصير المخيف.

ويوم الأحد الماضي، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينت) بالإجماع على خطط جيش الاحتلال لتوسيع عمليته البرية في القطاع تمهيدا لاحتلاله. وتزامن ذلك مع استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط.

أزمة خانقة

ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الخطة ستطبق عقب انتهاء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة الأسبوع المقبل، وإنها تشمل إجبار أغلب السكان على النزوح إلى مناطق محددة في الجنوب، والسيطرة الكاملة على القطاع.

وفي خضم هذا التصعيد، يعاني أهل غزة من أزمة إنسانية خانقة، حيث تهدد المجاعة حياة مئات الآلاف مع استمرار الاحتلال في إغلاق المعابر منذ 1 مارس/آذار الماضي.

11-تحتضن طفلة غزية لعبتها في محاولة للهروب من واقعها البائس والمخيف

“نحن نازحون أصلا، إلى أين نذهب؟ كيف ننزح ونحن لا نملك خيمة ولا وسيلة نقل ولا طعام؟”، تساءلت آمنة صُبح وهي نازحة من بيت لاهيا (شمال) تعيش في أحد مراكز الإيواء في مدينة غزة.

وأضافت للجزيرة نت بينما كانت تنظف فرن طين تستخدمه لإعداد الخبز، “والله الناس كلها مرعوبة من التهديدات التي يطلقها الاحتلال، يريدون أن يهجرونا من جديد ونحن لا نريد ذلك، لا نتحمل نزوحا آخر، نريد من الدول أن تقف معنا وتوقف هذه الحرب”.

وتؤكد آمنة أنها -وجميع النازحين- مستعدون للعيش داخل الخيام وتحمل المعاناة الناجمة عن ذلك شريطة أن تنتهي الحرب وعدم النزوح مجددا.

-خالد خليل يعرب عن أمنيته أن يتحرك "العالم" لإنقاذ سكان القطاع من هذا المصير المخيف

وبحسب أهالي القطاع، فإن التهديد بتصعيد العدوان، وتهجيرهم ليس سوى “دعوة للموت البطيء”. ويقول المواطن خالد خليل إن “التهديدات كل يوم، وتهديدهم أصعب من التنفيذ نفسه، هم يميتون الشعب قبل أن يموت، هذا شيء صعب”. وأعرب عن أمنيته أن يتحرك العالم لإنقاذ سكان غزة من هذا المصير المخيف.

وأضاف للجزيرة نت أن “قتل النفس أعظم شيء عند ربنا، لكن أن تحاصر البشر وتمنع عنهم الأكل، فهذا أعظم من القتل نفسه، نحن خائفون على الأطفال والأبرياء أكثر من خوفنا على أنفسنا”.

ويشير خالد إلى أن سكان القطاع يضطرون في كثير من الأوقات إلى الهرب بأنفسهم تاركين خيامهم وأغراضهم، واللجوء إلى مناطق أخرى، وبناء خيام بديلة وشراء أثاث جديد، مستدركا “الآن، لا أحد لديه المال حتى ليأكل، فكيف سينزح مرة أخرى؟”.

-سعد: هناك خوف في كل بيت، في كل أسرة، لكن ماذا نفعل؟

خوف وقلق

في ظل هذا الواقع، لا صوت يعلو فوق صوت القلق والارتباك، بحسب الشاب مهدي سعد. ويقول للجزيرة نت “هناك خوف في كل بيت وفي كل أسرة، لكن ماذا نفعل؟”. ويكمل “أنا وكل الناس في شمال القطاع وجنوبه نعيش على أعصابنا بعد تهديدات الاحتلال الأخيرة. الخوف مزروع في كل زاوية، كل شاب وطفل وامرأة يخافون من توسيع العدوان العسكري”.

وختم “نحن أصلا في مجاعة حتى من دون أي توسيع، لا يوجد دقيق، ولا أكل، ولا أي شيء، فكيف سيكون الحال إذا وسعوا العملية؟ ستكون المجاعة أكبر وأقسى”.

-يرى محمد نصير أن الجوع أصبح مقرونا بالخوف بعد إعلان التهديدات الإسرائيلية الأخيرة

وتعيش أغلب العائلات على المساعدات في ظل أزمة مجاعة خانقة تضرب القطاع المحاصر. وبحسب محمد نصير، النازح من بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع إلى مدينة غزة، فإن الجوع أصبح مقرونا بالخوف بعد إعلان التهديدات الإسرائيلية الأخيرة.

ويقول “نشعر بالرعب والقلق، ولا نملك مالا كي ننزح مجددا من مكان إلى آخر، والمجاعة تحاصر الجميع، لا أكل ولا مال. نأمل من الله أن يوقف هذه الحرب، وأن يرزقنا هدوء البال، وأن يفرجها على الجميع، النزوح نحو الجنوب يحتاج إلى مال ومواصلات، ونحن لا نملك شيئا”.

: رائدة معروف: تهجّرنا من مكان لمكان وتعرضنا للذل الشديد.. ويهددوننا مجددا بالترحيل

كانت رائدة معروف النازحة من بيت لاهيا تقف على باب خيمتها المهترئة، تحاول إبعاد الذباب المتناثر في الهواء من حولها، بينما تُمسك بطرف غطاء بالكاد يستر مدخل المأوى.

وبحسرة تقول “نحن هُجرنا من مكان إلى مكان، وتعرضنا للذل الشديد، انتقلنا من مستشفى إلى مستشفى، ومن مدرسة إلى مدرسة، لم يبقَ لنا شيء، لا أكل ولا شرب، ونحن اليوم ملقون هنا ويهددوننا مجددا بالترحيل”، وتشير إلى محيطها المتهالك ثم تكمل “وضعنا متعب، لا نملك أي شيء، حتى الطحين غال جدا”.

وتضيف “نطالب كل الدول العربية والغربية، وكل العالم، ألا يرحّلونا، نريد أن نعود لديارنا”.

8-الغرابلي: الاحتلال قتل جيراني من عائلة صيام بهدم منزلهم على رؤوسهم

مستقبل مجهول

بينما كان يملأ دلوًا من سبيل ماء مجاني في أحد أحياء غزة، يعبر زياد الغرابلي عن قلقه الشديد من المستقبل القريب. ويقول للجزيرة نت “شعرتُ بالخوف لما سمعت التهديدات الأخيرة، وقلت في نفسي لازم أرحل إلى أي منطقة آمنة، لأن الاحتلال يهدم البيوت على أهلها”.

ويكمل “جيراني من عائلة صيام، وهم ناس مثقفة، انهدم بيتهم عليهم وماتوا فيه، أنا أقول: الروح أغلى من كل شيء”. ويتابع “نناشد كل أمم الأرض أن ينظروا لأهل غزة، الوضع مأساوي، الناس دخلت فعليا في مجاعة، والنزوح صعب جدا، الناس لا تملك حتى ثمن المواصلات”.

9-عكيلة: في الخيمة يقصفونا، وعلى فراشنا يقصفونا، وإذا ذهبنا للجنوب أيضا يقصفونا، لا نعرف إلى أين المفر

“أنا أخاف على نفسي، وعلى أولادي وأمي وأبي وإخوتي. أين نذهب؟ لا يوجد أمن في أي مكان”، بهذه العبارة بدأ أحمد عكيلة حديثه عن مشاعره حيال التهديدات الإسرائيلية الأخيرة.

ويضيف للجزيرة نت “في الخيمة يقصفوننا، وعلى فراشنا يقصفوننا، وإذا ذهبنا للجنوب أيضا يقصفوننا، لا نعرف إلى أين المفر، لذلك طبيعي أن نعيش في خوف دائم”.

وبينما يملأ برميلا بالمياه، يكمل “الآن يتحدثون عن تهجير قسري، لكن إلى أين؟ إلى المجهول؟ الأفضل أن نظل في أرضنا، حتى لو كنا تحت الخطر، إحساس العجز أمام أطفالنا هو أكثر ما يقتلنا”.

شاركها.
اترك تعليقاً