موسكو- جاء التطور “الدراماتيكي” والمفاجئ مع الأنباء عن مقتل مؤسس ورئيس شركة فاغنر، يفغيني بريغوجين، ليتسبب بسحابة سوداء في المشهد السياسي في روسيا، بعد مرور شهرين فقط على التمرد الذي فعله، وانتهى خلال ساعات قليلة بتسوية وُصفت بالغريبة، أشرف عليها الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو، وتضمنت تقاعد مقاتلي الشركة، أو انضمامهم إلى الجيش الروسي، أو انتقالهم إلى الجمهورية الحليفة لموسكو، التي تتعرض بدورها لتهديدات ذات بُعد أطلسي على حدودها مع بولندا.

غموض

ورغم تصريح رئيس حركة “نحن مع روسيا” فلاديمير روغوف، بمصرع بريغوجين بناء على مكالمة أجراها مع عناصر من فاغنر، وتأكيد هيئة الطيران الفدرالية الروسية بوجود اسمه ضمن قائمة ركاب الطائرة المتحطمة، فإنه لم يصدر حتى اللحظة تأكيد رسمي ونهائي بمقتله.

فوجود اسم بريغوجين على قائمة ركاب الطائرة التي كانت في طريقها من سانت بطرسبورع إلى موسكو، قبل أن تسقط في مقاطعة تفير، لا يعني -مِن زاوية الإجراءات الأمنية المتبعة من قِبل الشخصيات “الحساسة”- أنه كان بالفعل على متنها.

بالإضافة إلى ذلك، يتساءل مراقبون: كيف يمكن لجميع قادة “فاغنر” أن يطيروا في طائرتين حلقتا الواحدة تلو الأخرى، وفي وقت واحد، من وجهة نظر “أنظمة السلامة”، التي تدركها الشركات الأمنية، فضلًا عن الجيوش؟

فإلى جانب بريغوجين على متن الطائرة، كان معه القيادي الذي يُوصف بالرجل الثاني في المجموعة، ديمتري أوتكين، الذي -وفقًا لتقارير وسائل الإعلام-، أنشأ قاعدة تدريب للمقاتلين في روستوف على نهر الدون في 2014، وقاد وحدته الخاصة، التي سُميت فيما بعد باسم “فاغنر”.

ويُشار إلى أن طائرة رجال الأعمال، وهي من طراز إمبراير 135 قامت برحلتها بإذن استخدام المجال الجوي إلى الوجهة المقررة، في عاصمة الشمال الروسي.

وتقوم لجنة أُنشئت خصيصى من الوكالة الفدرالية للنقل الجوي بالتحقيق في ملابسات وأسباب الحادث، لجمع البيانات حول تدريب الطاقم، والحالة الفنية للطائرة، وحالة الأرصاد الجوية على طول طريقها، وعمل خدمات الإرسال، ومعدات الراديو الأرضية، وتحليل سجلات الصندوق الأسود.

 

الفصل الأخير

ورغم حديث بعض المتابعين عن تمثيلية “دراماتيكية”، فإن أغلبية الآراء ذهبت نحو ترجيح فرضية مقتل بريغوجين، مستندة إلى أنه لو لم يحصل ذلك، لخرج لينفي ذلك بشكل علني، كما حصل في أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما جرى تداول أنباء عن مقتله في الكونغو.

من هنا، يقول الكاتب الصحفي يفغيني بروستاكوف، وفي حال تأكيد مقتل بريغوجين، فإن ذلك يعني نهاية “فاغنر” بالشكل الذي كانت عليه، وإعادة هيكلتها بشكل كامل ينهي هامش استقلالية القرار، الذي بقيت تتمتع به إلى حد نسبي، حتى بعد إخفاق تمردها في يونيو/حزيران الماضي.

ويرى -في حديث للجزيرة نت-، أنه إلى جانب ذلك، وبسبب غياب بيانات دقيقة عما حدث، فإنه من السابق لأوانه التعليق على فرضية الاستهداف المتعمد للطائرة، رغم الحقيقة الواضحة بأن عدد الأشخاص الذين تقاطعت مصالحه معهم كبير، وهو ما ظهر بشكل واضح في ذروة عمليات الشركة في أوكرانيا، وحديث بريغوجين صراحة عن مشكلات يواجهها في التسليح.

ووفقًا له، كان لدى بريغوجين ما يكفي من الأعداء، وفي حال تأكّد مقتله فقد يكون لعامل التصفية وجود، ضمن فرضيات تفسير ما حصل، لا سيما بالنظر إلى شخصيته التي كانت توصف بـ”الكاريزماتية” والمستقلة والفعالة جدًا.

ويتابع، بأن عمق التناقضات قد تجلّى بوضوح بين مختلف النخب داخل البلاد مع بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ولا يزال معارضوها، ومعظمهم من رجال الأعمال، وكذلك بعض السياسيين والشخصيات العامة، موجودين في البلاد ويخفون آراءهم. وبناء عليه، فإن وجود مصدر قوة لدى مجموعة ما في قطاع الأعمال والحكومة يمكنها من القضاء على بريغوجين، يجب ألا يشكّل مفاجئة.

وبرأيه، فإن من شأن تأكد ذلك أن يتسبب بتصدع في العلاقات بين موسكو ومينسك، حيث كانت الأخيرة في دور عراب التسوية بين الرئيس فلاديمير بوتين وبريغوجين، والضامن للخروج الآمن لعناصر فاغنر من الأراضي الروسية، وانتقالهم لمعسكرات خاصة في بلاروسيا.

البصمة الأوكرانية

لكن الخبير في الشؤون الأمنية، فيتالي كراشينكوف، لا يستبعد تورط أوكرانيا في الحادث، بناء على تمكّن أجهزتها الاستخباراتية في أوقات سابقة، من استهداف مواقع في روسيا بما فيها داخل العاصمة موسكو.

فحسب رأيه، تظهر لحظة سقوط الطائرة -التي التقطها شهود عيان- انفصال أحد أجنحة الطائرة عن هيكلها الذي كان ما تبقى منه سليمًا قبل أن ترتطم بالأرض، ما يدعم فرضية استهدافها بطائرة دون طيار، وهو السلاح الذي استخدمته كييف في غالبية الهجمات التي قامت بها داخل الأراضي الروسية.

في مقابل ذلك، ينفي وجود عنصر “المؤامرة الداخلية” في الحادث؛ لأنه من المناقض لمصالح روسيا والمشهد السياسي العام في البلاد، التخلص من رجل لا يزال دروه مهمًا في الإستراتيجية الروسية لمواجهة التحديات الخارجية، بما فيها في بيلاروسيا التي تواجه تحديات خطيرة على حدودها مع بولندا، تمثّلت في حشد وارسو لقوات كبيرة لا تتناسب مع المستوى الحقيقي للأزمة القائمة مع مينسك؛ بسبب تأييدها لروسيا في الحرب مع أوكرانيا.

ويختم، بأن الترويج لفرضية تورط “جهات داخلية” في مقتل بريغوجين يضر بصورة صناع القرار في البلاد داخليًا وخارجيًا، فضلًا عن إضعاف الثقة بين القيادتين السياسة والعسكرية في روسيا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.