بيروت- من يتجول في شوارع المدن والبلدات اللبنانية يقرأ في وجوه روادها ونظراتهم التأهب والترقب لما هو قادم، وخاصة الرد الإيراني على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران ورد حزب الله على اغتيال إسرائيل القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب.

يخرق هدير الطائرات الإسرائيلية القوي جدار الصوت فوق عدة مدن لبنانية، بينها العاصمة بيروت، فيربك اللبنانيين ويزيد طينة الخوف بلة.

وزاد تزامن الصوت مع حريق للنفايات والإطارات قرب أحد المجمعات التجارية في بيروت من حالة الهلع و التوتر لدى أغلب الشعب اللبناني. وتداول اللبنانيون وسم “جدار الصوت” -على منصة إكس في لبنان- ونشر تحته الناشطون مقاطع للصوت القوي الذي سُمع في معظم المدن اللبنانية.

ترقب وإصرار

يقول بسام صاحب محل خردوات في الضاحية الجنوبية، “ما يجري حرب نفسية قاسية علينا، فكل يوم نقرأ ونسمع أن الرد الإيراني على اغتيال هنية قاب قوسين أو خلال ساعات”.

يضيف أن منهم من جهز حقائبه ترقبا لرد إيران ورد الاحتلال، ويسأل وغيره عن مدى وسع الرد وإذا كانت المنطقة تدخل الحرب. يقول بسام إن خرق جدار الصوت اليوم كان مرعبا، اهتزت على إثره المباني ثم عادت إلى مكانها، وأرعب الأطفال وكبار السن.

وفي منطقة الحمراء في بيروت التي -دائما- تكون مكتظة بالناس وأسواقها مزدحمة وشوارعها مختنقة مروريا، لم تكن الأمور على طبيعتها والحركة في هذه المنطقة كانت أقل من المعتاد.

ويقول صاحب محل ألبسة، للجزيرة نت، إن “حركة البيع والشراء خفيفة، فالحرب النفسية تأثيرها كبير جدا على الناس العاديين، وحتى أكثر من الحرب الفعلية”.

ويتابع أن الاحتلال الإسرائيلي يعرف كيف يمارس حربا نفسية، ويرهب بها الشعب اللبناني المترقب أصلا بعد ضربة الضاحية.

وبإصرار يقول “رغم ذلك، فلا يزال اللبناني يمارس حياته الطبيعية، لأنه بات يتأقلم مع كل المصائب والأزمات والحروب منذ عام 1975 (الحرب الأهلية) وحتى الآن”.

صمت مقصود

من جانبه، يرى الصحفي والمحلل السياسي أمين قمورية أن “الحرب النفسية باتت عنوانا رئيسيا في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، والطرفان مارساها بالوتيرة نفسها”. وأوضح أن تل أبيب تهدد دائما بضرب المطار والبنى التحتية، والترويج لأخبار مفادها أن حزب الله ينشر صواريخه بين المنازل وفي المناطق المأهولة ويهدد بضربها.

واليوم وبعد خرق جدار الصوت بهذه الطريقة العنيفة فوق الضاحية وبيروت للمرة الأولى منذ بداية الحرب، شعر الناس فعليا بأجواء الحرب وأن هناك احتمالا كبيرا لتمددها، حسب قمورية.

وتابع أن “اللبنانيين متأهبون ومترقبون ليس فقط للردين الإيراني ومن حزب الله، بل أيضا للرد الإسرائيلي وهل سيكون أوسع وأشمل أم أنه سيكون منضبطا؟”.

وما يزيد الخوف والترقب، حسب المتحدث ذاته، هو عدم وجود أي معلومة أو تسريب عن موعد الرد وحجمه، وهو ما يدخل ضمن إطار الحرب النفسية ورفع منسوب التوتر.

ويقدر المحلل السياسي أن تدمر أجواء الترقب ما تبقى من الاقتصاد اللبناني المنهار أصلا وتضرب السياحة في مقتل، مشيرا إلى أن الأعداد الغفيرة للعائدين من المغتربين وتحذيرات السفارات ودعوة رعاياها لمغادرة لبنان تؤكد ذلك.

وأوضح أن “هذا الصمت مقصود من إيران وحزب الله، لأنهما أيضا يمارسان هذه الحرب النفسية، ويريدان أن يذيقا إسرائيل من الكأس نفسه”.

A Lebanese man walks past a graffiti that reads in Arabic: "Lebanon wants peace, Israel doesn't want it", at a street in downtown Beirut on August 2, 2024. (Photo by JOSEPH EID / AFP)

نتنياهو يريد الحرب

“الحرب النفسية جزء أساسي، ولكنها ليست العامل الحاسم الذي فرض تأخير ردي إيران وحزب الله”، حسب الصحفي والمحلل السياسي جوني منير.

ويضيف -في السياق ذاته- أن الأطراف الثلاثة (إسرائيل وإيران وحزب الله) وضعت سقوفا عالية للرد، وإن أرادت هذه الأطراف الانسجام مع هذه السقوف فيعني هذا أن الحرب كان يجب أن تنشب قبل أيام، موضحا أن من بين هذه السقوف كلاما سابقا لنصر الله مفاده أنه إذا قُصفت الضاحية، سنقصف تل أبيب.

ويوضح منير أن إيران ومن خلفها حزب الله لا يريدان الحرب الشاملة، ووحده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبحث عن الحرب.

ويرجع المحلل السياسي التروي وتأخير الرد إلى 3 أسباب:

  • عدم الاندفاع والتسرع من قبل إيران وحزب الله لحرب مفتوحة.
  • نتنياهو يريد الحرب، وطهران والحزب لن يمنحا هذه الهديه له.
  • خط مفاوضات مفتوح بين طهران وواشنطن عبر وسطاء يحاولون لجم تصاعد الصراع وعدم انزلاقه لحرب مفتوحة.

وأشار في السياق ذاته إلى غياب توتر أميركي، وحتى انتشارها العسكري في المنطقة كان دفاعيا. وهذا يعني، حسب منير، أن واشنطن لم تمنح نتنياهو ضوءا أخضر لشن الحرب ولكنها أكدت أنها ستدافع عن إسرائيل في حال شُنت الحرب عليها.

وختم المحلل السياسي بالقول إن “إيران وحزب الله سيردان، ولكنهما يبحثان عن صيد ثمين وعن ضربة تترك أثرا وصدى، ولكن لا تشعل حربا، وقد يؤدي كل ما يجري إلى تسوية شاملة ووقف الحرب، بعد حين”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.