القدس المحتلة- أكد رئيس جهاز الموساد السابق يوسي كوهين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب في قطاع غزة– يتحمل المسؤولية الكاملة عما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعن الفشل والإخفاق في منع معركة “طوفان الأقصى”، داعيا إلى تغيير القيادة السياسية في إسرائيل.

وفي مقابلة مطولة -وهي الأولى له منذ إنهاء منصبه- مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” نشرت في ملحق نهاية الأسبوع، قال كوهين إنه كان يجب على نتنياهو، فور وقوع الهجوم، تحمل المسؤولية والإعلان عن موعد للانتخابات.

وكشف كوهين -خلال المقابلة- عن مقترحات قدمها لكل من نفتالي بينيت، وغادي آيزنكوت ويائير لبيد لتشكيل تحالف يهدف إلى إنهاء حكم نتنياهو، مشددا على أن الحكومة الحالية يجب أن تنهي ولايتها فورا.

كما تحدث عن تفاصيل جديدة تتعلق بأنشطة الموساد في إيران، عرضها أيضا في كتابه الجديد، نافيا في الوقت نفسه أن يكون قد شارك في نقل الأموال القطرية إلى قطاع غزة، وختم بالقول: “لم أتحدث مع نتنياهو منذ عام ونصف العام”.

وعن القطيعة بينه وبين نتنياهو، يرى أن السبب ربما يكمن في أنه يجسد صوت الذين يستعدون لخوض الانتخابات المقبلة لقيادة إسرائيل، إذ لا يمكن إنكار أن الضغوط من حوله تتزايد من “الكثير، الكثير، في أي لحظة، ناشطين، سياسيين، أناس من كل الأطياف”، في إشارة إلى الإلحاح المستمر لدفعه نحو الساحة السياسية.

ويكشف بنفسه عما يشتعل بداخله، بقوله: “صحيح، إن الحاجة إلى إصلاح إسرائيل تحترق في داخلي، ففي مرحلة ما سيكون علي أن أساعد أو أساهم في إدارة الأمور بشكل أفضل، وإذا كان هناك وقت مناسب لذلك، فهو الآن”.

الشاباك يكشف إخفاقات سياسية وأمنية في هجوم 7 أكتوبر

استبدال نتنياهو

وحين سئل عن الشخصية الأنسب لقيادة إسرائيل من بين الأسماء المطروحة، أجاب: “هذا ليس السؤال الصحيح؛ المشكلة الرئيسية أن أيا منهم لن يتمكن من هزيمة الليكود بمفرده، وهذا ما يحزنني للغاية”.

وأضاف “لقد اقترحت أن يشكلوا وحدة واحدة ويترشحوا كجسم سياسي موحد، لكن كل واحد منهم يريد خوض الانتخابات بشكل مستقل، ليرى من يخرج الأكبر ثم يدعو الآخرين لتشكيل ائتلاف”.

وأعرب عن اعتقاده أن ذلك خطأ، لأن “الجميع -آيزنكوت، وبيني غانتس، ولبيد، ويائير غولان، وبينيت، وأفيغدور ليبرمان، والآن يوعاز هندل، وربما قريبا ’الاحتياطيين‘- يتنافسون على القاعدة الانتخابية نفسها، وفي النهاية ستكون النتيجة مجزأة، وهناك كتلة واحدة، فلماذا لا يوحدونها؟ لماذا لا يختارون قائدا واحدا يمثلها بأكملها؟”.

وعن قدرته على توحيدهم، قال “نعم، أستطيع ذلك، لكن ليس الآن، بشكل منفصل، سيظل الليكود دائما هو الأكبر. وتساءلت: ألا يزعجك ذلك؟ ألا تريد إحداث تغيير؟”.

وعندما طُرح عليه السؤال عن إمكانية عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة، رد “لا يمكن استبعاد ذلك، لكن الأمر يعتمد علينا فقط، إذا اتحدنا”، أما بشأن الحكومة الحالية، فختم قائلا “يجب أن تنتهي أيامها حالا”.

وقال بوضوح إن على نتنياهو أن يترك منصبه الآن، مشددا على أنه كان يجب أن يستقيل فور هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول ويعلن موعد انتخابات، إذ يتحمل كامل المسؤولية عما جرى مع بقية الوزراء والمسؤولين.

كتاب كوهين

الاكتشاف المتأخر لتصرفات كوهين له تداعيات كبيرة، وهذا ما يعكسه كتابه الجديد “بالحيل، ستخوض حربا” الصادر عن “يديعوت سفاريم”، فالكتاب كُتب أصلا باللغة الإنجليزية للسوق الأجنبية ويخضع حاليا للترجمة إلى العبرية.

صاغ كوهين الكتاب بمساعدة كاتب محترف و4 فرق لإصداره، ليكشف ليس فقط عن مآثره بوصفه عميلا سريا وأساليب تفكيره ومعتقداته، بل أيضا عن تحذيراته المتكررة من سيناريو السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومدى تجاهل المستويات العليا لهذه التحذيرات، وما ترتب على ذلك من تداعيات على إسرائيل.

فور اندلاع الحرب، اقترح كوهين على نتنياهو نقل مليون فلسطيني مؤقتا من غزة إلى سيناء لتسهيل عمل الجيش وتقليل الخسائر الإنسانية، محذرا من أزمة كبيرة وسقوط قتلى، وهو ما حدث بالفعل.

وافق نتنياهو على المبادرة، وسافر كوهين إلى قطر ومصر لإقناع قيادتيهما، لكن خليفته في الموساد، ديفيد برنيع، أبدى انزعاجه، وأصدر الموساد ومكتب رئيس الوزراء بيانا بأن كوهين تصرف بمفرده، مما وضعه في موقف حساس.

في كتابه، يقرّ كوهين بعجز إسرائيل عن كسب الرأي العام العالمي قائلا: “كيف يمكننا الانتصار في المعركة الدعائية، بينما يخرج رئيس وزراء سابق ووزير دفاع سابق ورئيس أركان سابق ليؤكد أن إسرائيل تمارس جرائم حرب وسياسة تجويع؟”.

ويشير كوهين إلى أنه الشخص الأكثر تأهيلا في إسرائيل لإدارة مفاوضات الرهائن أو إدارة نظام الدعاية الإسرائيلي، لكن هذه المهام تدار حاليا بواسطة جهات تتغير وفق مزاج نتنياهو، مما أدى إلى اندثار قدرة الدعاية.

بين الحرب والاتفاق

يتذكر كوهين أنه بعد عملية “الجرف الصامد”، عرض تنشيط الموساد في غزة لمساعدة إسرائيل بسبب ضعف الاستخبارات هناك وغياب البنية التحتية، مؤكدا أن القطاع أشبه ببلد مستهدف ويحتاج إلى تدخل خاص.

رغم عرضه، فإن القيادة رفضت تدخل الموساد، بينما فضل نتنياهو الاستماع للقادة العسكريين المتحفظين، رغم أن كوهين كان مؤيدا للعمل الاستباقي، مثل خطته للقضاء على قاسم سليماني التي أُعدت بالكامل، لكن تم منعها خوفا من حرب إيرانية.

ويتذكر كوهين أنه اقترح تدمير مصانع صواريخ حماس والأنفاق في غزة، لكنه قوبل بتجاهل مماثل للنهج المتبع ضد حزب الله، مما سمح لهم بالاستمرار في تقوية قدراتهم.

وينفي أي تورط شخصي في تحويل الأموال القطرية إلى غزة، مؤكدا أنه كان مجرد مبعوث لجمع التبرعات ضمن خطة الشاباك الموجهة بدقة، واقترح إيقاف أي تسرب للأموال علنا، لكن لم يتوقف.

في ما يخص الحرب على غزة، يترك كوهين سؤال استمرار القتال معلقا بالقول إن “الحرب ستستمر في غزة ما لم يبرم اتفاق شامل يعيد المختطفين ويوقف القتال”، مضيفا أن “النصر الكامل على حماس محدود بسبب المختطفين والمسؤولية الإنسانية، وأن الحرب ستستمر حتى التوصل إلى اتفاق”.

النووي الإيراني

وبالعودة إلى عمله في الاستخبارات، ينسب كوهين لنفسه الفضل في النجاحات البارزة خلال فترة رئاسته للموساد.

ويشير إلى دوره في أجهزة “البيجر” المتفجرة، بالقول إنه وافق على الجهاز الأول، “بعنا عشرات الآلاف من أجهزة النداء المحشوة بالمتفجرات، كانت الخطة ضد حزب الله، بحيث نفجر الأجهزة عندما يأخذها أعضاء الحزب، فتندلع الحرب ويهاجم سلاح الجو”.

ويضيف أن من أبرز إنجازاته الاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني، وكشف نشاطات إيران السرية، كما ادعي أنه أسس عام 2004 مركز عمليات خاصة ضمن الموساد لتوريد المعدات.

على سبيل المثال، يروي كوهين قصة الانفجار في مفاعل نطنز بالقول “كانت هناك ‘طاولة التوازن’ بحجم الغرفة، وهي مصنوعة من قطعة رخام واحدة، لنقل جهاز الطرد المركزي قبل التخصيب، بعنا هذه الطاولة لإيران، فتعرض المصنع بأكمله للتدمير، إحضار طاولة جديدة أمر مستحيل، لذا أصبحنا موردا معتمدا لإيران بطريقة سرية”.

يعد كوهين من أكثر خبراء الاستخبارات خبرة في إسرائيل، ويشير إلى نجاح عملياته في نطنز وفوردو التي أبطأت برنامج إيران النووي بشكل كبير.

ويقر بأن العمليات في إيران كبدت إسرائيل ثمنا من حيث الخسائر، لكنه يرى أن الثمن كان ضروريا لإزالة تهديد أكبر.

أما عن مستقبل المشروع النووي الإيراني، فيرى كوهين أن التهديد النووي الإيراني الحالي زال، مؤكدا أن إيران لا تخصب اليورانيوم حاليا، ولا يستبعد إمكانية تدخل إسرائيل مجددا إذا لزم الأمر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version