في خضم التوترات المستمرة، صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرًا بأن أوكرانيا “ترفض إنهاء الصراع سلميًا”، معترفًا في الوقت ذاته بوجود “مؤشرات من كييف على استعدادها للحوار”. يأتي هذا التصريح خلال المؤتمر الصحفي السنوي الطويل الذي عقده بوتين، والذي استمر لأكثر من أربع ساعات، وتناول فيه قضايا السياسة الخارجية والأوضاع الداخلية لروسيا. يمثل هذا الموقف نقطة محورية في البحث عن حل للأزمة الأوكرانية، ويشير إلى استمرار التعقيدات والتحديات التي تواجه أي جهود دبلوماسية. هذا المقال سيتناول تفاصيل تصريحات بوتين، وشروطه للسلام، وتقييمات الخبراء حول آفاق الحل السياسي، مع التركيز على كلمة الحوار ككلمة مفتاحية.
بوتين يفتح الباب أمام الحوار مع شروط
خلال المؤتمر الصحفي الذي أُطلق عليه اسم “الخط المباشر”، أجاب بوتين على أسئلة الصحفيين والمواطنين حول مجموعة واسعة من القضايا. وعندما سُئل عن احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية في أوكرانيا، أكد الرئيس الروسي على أن الكرة الآن في ملعب كييف. وأوضح بوتين أنه مستعد لإنهاء الصراع وفقًا للشروط التي حددها في خطابه أمام وزارة الخارجية العام الماضي.
تشمل هذه الشروط، بشكل أساسي، انسحاب القوات الأوكرانية من دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا. هذه المطالب، التي تعتبرها أوكرانيا غير مقبولة، تظل حجر الزاوية في موقف روسيا التفاوضي. بينما يشدد بوتين على استعداده لـ الحوار، إلا أنه يربط هذا الاستعداد بتحقيق هذه الشروط المسبقة.
العلاقة مع ترامب ومسؤولية الحرب
تطرق بوتين أيضًا إلى علاقته بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإلى مقترحاته للسلام في أوكرانيا. وأشار إلى أن روسيا وافقت “عمليًا” على مقترحات ترامب وقدمت بعض التنازلات، لكنه حمّل في النهاية أوكرانيا مسؤولية استمرار الحرب.
ورداً على سؤال حول احتمال وقوع خسائر في الأرواح في العام المقبل في حال عدم التوصل إلى اتفاق سلام، أكد بوتين أن روسيا لن تكون مسؤولة عن ذلك. كما نفى بشكل قاطع أي نية روسية لمهاجمة أوروبا، واصفًا هذه الادعاءات بـ “الهراء”.
شروط إضافية للسلام ومستقبل العلاقات مع الغرب
لم يقتصر الحوار الذي طرحه بوتين على المسائل العسكرية والإقليمية. فقد أضاف شروطًا أخرى تتعلق بأمن الانتخابات في أوكرانيا، مشيرًا إلى استعداده لمناقشة هذا الأمر شريطة وقف الضربات العميقة داخل الأراضي الروسية، وضمان حق التصويت للأوكرانيين المقيمين في روسيا.
وفيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب، أعرب بوتين عن قلقه إزاء اقتراب بنية حلف شمال الأطلسي (الناتو) التحتية من حدود روسيا. كما انتقد خطط الاتحاد الأوروبي للاستيلاء على الأصول الروسية، واصفًا إياها بـ “السرقة” التي تقوض الثقة في منطقة اليورو. في المقابل، أشار إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى موسكو كخصم، بينما لا تزال أوروبا غير متوافقة مع أولويات واشنطن الجديدة. وأكد على استعداد روسيا للتعاون، مع تحذير من أن أوروبا “ستتلاشى تدريجياً” إذا لم يحدث هذا التعاون.
الصين كشريك استراتيجي
أكد الرئيس الروسي على أهمية العلاقات مع الصين، واصفًا إياها بالعامل الأهم في الاستقرار العالمي. هذا التأكيد يعكس تحولًا في السياسة الخارجية الروسية نحو تعزيز العلاقات مع القوى غير الغربية، في ظل التوترات المتزايدة مع الغرب.
تقييمات الخبراء: هل هناك أمل في الحوار؟
يرى المحلل السياسي ألكسندر كونكوف أن بوتين يحرص على إرسال إشارات بأنه لا يرفض فكرة السلام بشكل قاطع، وأن روسيا مستعدة للمشاركة في المفاوضات. ومع ذلك، يضيف كونكوف أن بوتين لم يبدِ أي استعداد لتقديم تنازلات حقيقية، أو حتى تجميد الصراع على طول خطوط التماس. ويؤكد على أن مطالب روسيا بتسليم المقاطعات الأربع تظل غير قابلة للتفاوض بالنسبة لأوكرانيا. الحوار، في هذا السياق، يبدو مشروطًا باستسلام أوكرانيا لمطالب روسيا.
من جانبه، يرى ألكسندر كوزنيتسوف، نائب رئيس “معهد التنبؤ بالنزاعات”، أن المؤتمر الصحفي كان يهدف إلى إظهار السيطرة على الوضع الداخلي، وتأكيد شرعية المسار السياسي الحالي. ويشير إلى أن خطاب بوتين لا يزال حادًا تجاه الغرب، ويحمل مؤشرات عدم ثقة. كما يرى أن اعتراف بوتين بتباطؤ النمو الاقتصادي إلى 1% في عام 2025 هو اعتراف غير مباشر بوجود مشاكل اقتصادية، على الرغم من تفسيره بأنه خطوة متعمدة لمكافحة التضخم.
الخلاصة: طريق طويل نحو السلام
في الختام، على الرغم من إشارات الرئيس بوتين إلى استعداده لـ الحوار، إلا أن الشروط المسبقة التي وضعها، والخطاب الحاد الذي استخدمه تجاه الغرب، تشير إلى أن الطريق نحو السلام في أوكرانيا لا يزال طويلاً وشاقًا. من الواضح أن روسيا تصر على تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، وأنها لن تتنازل عن مبادئها الأساسية. في الوقت نفسه، من غير المرجح أن تقبل أوكرانيا بالشروط الروسية، خاصة فيما يتعلق بمسألة الأراضي.
لذلك، فإن استمرار الأزمة يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة، وحوارًا صريحًا وبناءً بين جميع الأطراف المعنية، مع الأخذ في الاعتبار مصالح كل طرف. هل ستنجح هذه الجهود في تحقيق السلام؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة. شارك برأيك حول مستقبل المفاوضات في التعليقات أدناه.















