بالتزامن مع احتفالات السوريين بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري وسيطرة المعارضة على مدينة دمشق، أقدم الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء على جبل الشيخ وعدة مواقع في الجولان السوري المحتل.
وجاءت التحركات بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انهيار اتفاق “فضّ الاشتباك” الموقع مع سوريا عام 1974، وإصداره أوامر للجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة (مساحتها 235 كيلومترا مربعا) التي تنتشر فيها قوات “أندوف” التابعة للأمم المتحدة.
وتعتبر منطقة جبل الشيخ أو ما يعرف بجبل حرمون، التي تقع في الجزء الغربي من سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية منطقة عازلة بين سوريا وإسرائيل، منذ سبعينيات القرن الماضي وما قبلها، إذ جرى تحديد هذه المنطقة العازلة بين الطرفين وفق اتفاق فض الاشتباك، وظلت لنحو 50 عاما خاضعة للاتفاق الذي أبرم حينها، لفصل القوات التي حاربت في أكتوبر/تشرين الأول 1973.
ولذا، فإن التحركات الإسرائيلية الحالية تلقي الضوء على أهمية هذا الجبل وتاريخه.
موقع جغرافي مميز
يمثل جبل الشيخ، أعلى قمة في سوريا بارتفاع 2814 مترا، ويقع في منطقة الحدود بين سوريا ولبنان، ويمتد جزء منه إلى فلسطين المحتلة، ويتميز الجبل بتضاريسه الوعرة وثلوجه التي تغطي قممه في فصل الشتاء، ويعتبر مصدرا مهما للمياه في المنطقة، منها نهر الأردن.
وتمتد سلسلة الجبال -التي يتكون منها جبل الشيخ- على طول حوالي 45 كيلومترا، وتعد أعلى نقطة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ويبدأ جبل الشيخ من بانياس السورية وسهل الحولة في الجنوب الغربي إلى وادي القرن ومجاز وادي الحرير شمال شرق.
ويحدّه من الجهة الشرقية والجنوبية منطقة وادي العجم وهضبة الجولان وإقليم البلان. أمّا من الجهة الشمالية والغربية، فالقسم الجنوبي من سهل البقاع ووادي التيم في لبنان، ويقع القسم الجنوبي الغربي من جبل الشيخ تحت الاحتلال الإسرائيلي، لأنه يقع ضمن هضبة الجولان السورية.
ويضم الجبل 4 قمم، أعلى قمة تسمى شارة الحرمون في سوريا، ويصل ارتفاعها إلى 2814 مترا، والثانية إلى جهة الغرب بارتفاع 2294 مترا، أما الثالثة إلى الجنوب فترتفع 2236 مترا عن سطح البحر، والقمة الرابعة فتقع في جهة الشرق بارتفاع يصل إلى 2145 مترا.
وتُشرف قمة جبل الشيخ على العديد من مناطق سورية كدمشق وبادية الشام وسهل حوران، كما يمكن مشاهدة جزء من الحدود الشمالية الأردنية والفلسطينية خاصة جبال الخليل ومحافظة إربد وبحيرة طبرية، بالإضافة إلى كل من جنوب لبنان وسلسلة جبال لبنان الغربية وسهل البقاع.
أهمية إستراتيجية
يمثل جبل الشيخ أهم نقطة إستراتيجية تسيطر عليها إسرائيل، وذلك بسبب موقعه الذي يشرف على 3 دول (سوريا ولبنان وفلسطين) وباعتباره أعلى جبل في سوريا، فإنه يوفر هضبة للمراقبة في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى بعد 40 كيلومترا فقط من دمشق، ستكون العاصمة في مرمى المدفعية الإسرائيلية التي يمكن وضعها على الجبل، إضافة إلى ذلك فإنه يوفر أيضا نقطة مراقبة للمناطق في لبنان التي تعتبرها إسرائيل معقلا لحزب الله، مثل وادي البقاع.
وعن أهمية هذا الموقع، يقول موسى الجناطي -الباحث المهتم بشؤون الجولان- إن جبل الشيخ يتمتع بأهمية إستراتيجية قصوى لارتفاعه الذي يجعله مركزا للرصد، حيث يشرف موضعيا على كل الأراضي المحيطة، فمن هذا المرتفع يمكن القيام بأعمال المراقبة بالنظر، وبواسطة أجهزة المراقبة البصرية وعشرات الكاميرات ورصد كامل الاتجاهات العملاتية لدمشق والقنيطرة، وكذلك لمناطق نوى ودرعا والصنمين وقطنا وضواحي دمشق الجنوبية.
ويتابع الجناطي في حديثه لموقع الجزيرة نت أنه يمكن أيضا متابعة كل التحركات العسكرية وتصحيح نيران المدفعية وضربات الطيران، كما تسمح محطات الرادار والمراقبة في قمة جبل الشيخ بكشف الطائرات التي تطير على ارتفاع منخفض منذ لحظة إقلاعها.
وفي يونيو/حزيران 1967، احتلت إسرائيل هضبة الجولان بما في ذلك أجزاء من سفوح جبل الشيخ، وبعد الحرب، بنت إسرائيل مراصد عسكرية على الجبل للاستفادة من موقعه الإستراتيجي في مراقبة التحركات السورية.
ما هدف إسرائيل من السيطرة على جبل الشيخ؟
تبرر إسرائيل تحركاتها الأخيرة بالقول إنها تهدف إلى حماية المستوطنات في الجولان ومنع تسلل المجموعات المسلحة إلى أراضيها. ومع ذلك، تشير التطورات إلى أن الخطوات الإسرائيلية تتجاوز مجرد الدفاع إلى تعزيز نفوذها الإقليمي.
وكان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان طالب في أكتوبر/تشرين الأول 2024 بتوجيه ضربة استباقية لنظام الأسد في سوريا واحتلال جبل الشيخ (جبل حرمون) لمنع أي هجوم مستقبلي على مبدأ “تدفيع الثمن”.
وحينها قال ليبرمان “يجب أن يتلقى النظام السوري رسالة تحذير واضحة، مفادها أنه إذا استمر بالسماح باستخدام الأراضي السورية كقاعدة خلفية وكمركز لوجيستي لأعدائنا، سوف ننتزع منهم جبل الحرمون السوري بكل بساطة، ولن نتخلى عنه حتى إشعار آخر”.
لكن الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد خالد المطلق يرى أن اهتمام إسرائيل حاليا بالسيطرة على جبل الشيخ -الذي يطل على دمشق ويحوي على كم هائل من الردارات وأجهزة التنصت وأجهزة الاستشعار عن بعد- يعود لسبب مهم وهو التقليل من الإمكانيات الإستراتيجية للحكم الجديد في سوريا، والحد من القدرات العسكرية الإستراتيجية، لذلك “رأيناهم أخذوا جبل الشيخ وتقدموا، وأخذوا جيبا في القنيطرة”، على حد قوله.
ويكمل -في حديثه للجزيرة نت- بالقول إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتف بالسيطرة الجغرافية، وإنما دمر ما يقارب 250 هدفا خلال يومين وهذا رقم قياسي، مما يعني تدمير البنية التحتية للجيش الذي قد يستفيدون منه في بناء جيش سوري جديد، وهذا أخطر ما في الموضوع، بحسب المطلق.
ومن ناحيته، يوضح الباحث الجناطي أن إسرائيل تهدف من احتلالها جبل الشيخ تأمين استطلاع أكثر عمقا لمناطق في سوريا والأردن وفلسطين، لا سيما أن منطقة جبل الشيخ باتت تعد محورية لـ”حزب الله” الذي طور شبكة من النقاط العسكرية الخاصة ومعابر التهريب غير النظامية.
وينوه الجناطي إلى أنه بعد سقوط نظام الأسد الداعم لـ”حزب الله” وسيطرة قوات المعارضة السورية على الجولان ودرعا وريف دمشق، لم يعد هناك مبرر للتوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية ضمن خط وقف إطلاق النار 1974، ويتعين عليها الانسحاب فورا.
وفي السياق، يشير مراقبون للتحركات الإسرائيلية في سوريا هذه الفترة أن ما يجري اليوم من تدمير ممنهج للمُقدرات السورية على يد الاحتلال “الإسرائيلي” لا يُضعف الدولة السورية المستقبلية فحسب، بل يُعمّق جراحها، ويُهدّد مستقبلها كدولة ذات سيادة، خاصة أن التحرُّكات “الإسرائيلية” الأخيرة لا تقتصر على تدمير البنية العسكرية، بل تكشف عن نية واضحة لسلب مزيد من الأراضي السورية وفرض واقع جديد يخدم مصالح الاحتلال على حساب وحدة وسيادة الدولة.
معارك على سفوح جبل الشيخ
تعود مطامع إسرائيل في احتلال مرتفعات الجولان إلى فترة ديفيد بن غوريون -أول رئيس وزراء لإسرائيل- الذي وصف جبل الشيخ بـ”أبو المياه” والنافذة الإستراتيجية، طامحا إلى احتلاله بالكامل منذ قيام الكيان الإسرائيلي، باعتباره مصدرا مهما وحيويا وخزانا مائيا للمنطقة الممتدة حوله.
وحاولت القوات الإسرائيلية السيطرة على منطقة جبل الشيخ خلال حرب 1948، لكن الحدود ظلت تحت سيطرة سوريا ولبنان في تلك المرحلة، وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1967، وقعت معركة جبل الشيخ الأولى بين الجيش السوري وجيش الدفاع الإسرائيلي.
واحتلت إسرائيل منذ حرب النكسة عام 1967 حوالي 100 كيلومتر مربع من المنحدرات الجنوبية والغربية لجبل الشيخ، وأنشأت موقعا محصنا فيها.
وحتى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، قسم الاحتلال الخطط الاستيطانية في الجولان إلى 4 مناطق، حيث أعد سفوح جبل الشيخ وشمال الجولان لأغراض سياحية، وبنى على الجبل نقطة للمراقبة العسكرية للإشراف على سوريا، وأقاموا عليه كنيسا لتزوير معالمه.
وتمكن السوريون بعد حرب 1973، من استعادة الموقع وأسر أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين، لكن إسرائيل استطاعت قبيل انتهاء الحرب السيطرة على المكان.
وبعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974، سيطرت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) على الجبل ضمن إطار المنطقة العازلة.
ومنذ حرب يونيو/حزيران 1967، أصبحت حوالي 40 ميلا مربعا (100 كيلومتر مربع) من المنحدرات الجنوبية والغربية لجبل الشيخ تحت إدارة إسرائيل، وبقيت الأجزاء التي احتلتها إسرائيل تحت سيطرتها، وهي تعتبر جزءا من هضبة الجولان المحتلة، وأنشأت منتجعات للتزلج في محاولة لتعزيز وجودها المدني هناك.
بعد سقوط النظام
بعد سقوط نظام الأسد، لم يقتصر التصعيد العسكري الإسرائيلي على السيطرة على جبل الشيخ واحتلال المنطقة العازلة، التي قال مصدر عسكري إن السيطرة عليها ستكون عملية مؤقتة عقب تهديد من وصفها بالمليشيات، فقد قصفت إسرائيل يوم الأحد 100 هدف في سوريا معظمها مستودعات أسلحة، ومراكز للبحوث العلمية، وذلك بحسب إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي أعنف حملة قصف عسكرية بتاريخ إسرائيل ضد سوريا استهدفت غارات إضافية عشرات المواقع السورية يوم الثلاثاء العاشر من ديسمبر/كانون الأول، شملت أنظمة صواريخ أرض-جو متقدمة ومنشآت تصنيع وتخزين الصواريخ الباليستية، وصرحت مصادر عسكرية أن الهدف من هذه العمليات هو تأمين حرية الحركة الجوية الإسرائيلية في الأجواء السورية.
كما سيطر الجيش الإسرائيلي خلال العملية على مواقع إستراتيجية في جبل الشيخ، ودمر نحو 80% من قدرات الجيش السوري، بما في ذلك الطائرات والمروحيات والدبابات والسفن الحربية، وفق بيانات الجيش الإسرائيلي.
وأطلق الاحتلال الإسرائيلي اسم “سهم باشان” المستوحى من التوراة على العملية العسكرية التي يشنها في سوريا، ودمر خلالها معظم القدرات العسكرية للجيش التابع للنظام المخلوع.