في تطور يثير جدلاً واسعاً، أقر البرلمان الجورجي تعديلات على قانون الانتخابات تقيد حق التصويت للمواطنين المقيمين في الخارج. هذا القرار، الذي تم إعلانه في 18 ديسمبر 2025، أثار ردود فعل متباينة بين الأطراف السياسية والمراقبين الدوليين، وتداعياته المحتملة على مستقبل الديمقراطية في جورجيا وعلاقاتها مع الغرب. يركز هذا التعديل على منع التصويت من خلال السفارات والقنصليات، بحجة حماية العملية الانتخابية من “التدخل الخارجي”.

قانون الانتخابات الجورجي الجديد: نظرة مفصلة

حيث أثار إقرار التعديلات الأخيرة على قانون الانتخابات الجورجي عاصفة من الانتقادات والتساؤلات. يرى حزب “الحلم الجورجي” الحاكم أن هذه التعديلات ضرورية لحماية سيادة البلاد ومواجهة ما يسميه “النفوذ الأجنبي”. بحسب الحزب، فإن المواطنين المقيمين في الخارج يخضعون لتأثير البيئة السياسية الأجنبية، مما قد يؤثر على استقلالية قرارهم الانتخابي.

ويشير رئيس البرلمان شالفا بابواشفيلي إلى أن الجالية الجورجية في الخارج تعتمد بشكل كبير على وسائل الإعلام الأجنبية في الحصول على معلومات حول الوضع في جورجيا، مما يجعلهم عرضة للتضليل. ويهدف القانون الجديد، في هذا السياق، إلى ضمان أن التصويت يعكس إرادة الناخبين الذين يعيشون داخل البلاد ويختبرون الواقع الجورجي بشكل مباشر.

دوافع القرار: بين حماية السيادة والتحيزات السياسية

هناك جدل كبير حول الدوافع الحقيقية وراء هذه التعديلات. المعارضة والخبراء المستقلون يرون أن السبب الأساسي هو الخوف من خسارة الحزب الحاكم لشعبيته بين الجالية الجورجية في الخارج، والتي أظهرت تأييدًا قويًا لأحزاب المعارضة في الانتخابات البرلمانية لعام 2024، حيث حصل “الحلم الجورجي” على نسبة 15% فقط من أصوات المغتربين.

بالمقابل، يدافع مؤيدو الحكومة عن هذه الخطوة باعتبارها ضرورية لمواجهة التأثيرات الخارجية، مشيرين إلى أن التصويت في الخارج قد يفتح الباب أمام تدخل دول أخرى في الشأن الجورجي. هذا يخلق تصعيداً في الأزمة السياسية الحالية التي تعيشها جورجيا.

الأزمة السياسية الجورجية: توازنات معقدة

تأتي هذه التعديلات في سياق أزمة سياسية عميقة تعاني منها جورجيا، حيث تتأرجح البلاد بين طموحاتها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وبين علاقاتها البراغماتية مع روسيا. هذا التوازن الدقيق الذي يحاول الحزب الحاكم الحفاظ عليه، مهدد بتقويض العلاقات مع الغرب.

فقد تم بالفعل تعليق عملية انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب اتهامات موجهة للحكومة في تبليسي بتقييد الحريات المدنية والإعلامية. وسلطت المؤسسات الغربية الضوء على هذا التقييد، والبرلمان الأوروبي وصف الانتخابات الأخيرة بـ”المزورة”. بالإضافة إلى ذلك، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على عدد من المسؤولين في حزب “الحلم”.

تداعيات محتملة: عزل الجالية الجورجية وتصعيد التوترات

المحللون السياسيون يحذرون من أن حظر التصويت على الجالية الجورجية في الخارج قد يؤدي إلى زيادة عزلة هؤلاء المواطنين عن وطنهم، واستبعادهم من الحياة السياسية في جورجيا. ويعتبرون أن هذا الإجراء يمثل انتهاكًا للحقوق الدستورية، حيث يشبه حرمان المواطنين من الجنسية.

كما يرى البعض أن هذا القانون مستوحى من قوانين مشابهة في بيلاروسيا، ويهدف إلى الحفاظ على السلطة من خلال استبعاد الناخبين الأكثر انتقادًا للحكومة. هناك خشية من تكرار سيناريو مولدوفا، حيث لعب المواطنون المقيمون في الخارج دورًا حاسمًا في التأثير على نتائج الانتخابات.

الخلاصة، تمثل التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات الجورجي منعطفاً هاماً في المشهد السياسي للبلاد. وبينما تصر السلطات على أن هذا الإجراء يهدف إلى حماية السيادة ودرء التدخل الخارجي، يثير ذلك مخاوف جدية بشأن مستقبل الديمقراطية في جورجيا وحقوق مواطنيها المقيمين في الخارج. سيتطلب الأمر حوارًا داخليًا واسعًا وبناءً للثقة بين جميع الأطراف السياسية لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب الجورجي بأكمله. من الضروري متابعة التطورات في جورجيا وقياس تأثير هذه التعديلات على مسار البلاد نحو الاندماج الأوروبي و العلاقات الدولية. فالوضع يتطلب تحليلاً دقيقاً ومستقبلاً.

شاركها.
اترك تعليقاً