إعدام الأسرى الفلسطينيين: نحو تشريع رسمي للتمييز العنصري
لم يكن تصويت الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين حدثا عابرا في سياق الحرب على غزة، بل خطوة تُقنّن رسميا ممارسة ميدانية ظلّت لعقود خارج النصوص. القانون المقترح الذي دفع به وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وحظي بتأييد أحزاب اليمين المتطرف، يفتح بابا جديدا لتكريس منظومة تمييز ممنهجة، تنقل جرائم الحرب من واقع التنفيذ إلى بنية التشريع.
تحليل قانوني: نحو أبارتايد تشريعي
في قراءة قانونية للأمر، يرى الدكتور حسن جبارين، مدير مركز عدالة الحقوقي، أن مشروع القانون ليس تعديلا عابرا في منظومة العقوبات الإسرائيلية، بل خطوة لتوسيع نطاق الإعدام بما يتجاوز الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون، وجعلها قابلة للتطبيق حصريا على الفلسطينيين. ويوضح أن ما يُعرض اليوم أمام الكنيست “ينزع صفة المساواة” بين المواطنين داخل إسرائيل، ويجعل الفلسطيني وحده خاضعا لعقوبة الإعدام في سياق سياسي محدد، الأمر الذي يُكرّس “منظومة أبارتايد تشريعية” مكتملة.
تحول الجريمة إلى قانون
يشير جبارين إلى أن سلطات الاحتلال مارست فعليا الإعدام الميداني منذ سنوات طويلة من دون محاسبة، لكن الفرق الآن أن الجريمة تتحول إلى قانون. بمجرد أن يصبح النص نافذا، سيُمنح القضاة العسكريون صلاحية إنزال حكم الإعدام في قضايا تُحدّدها القيادة السياسية والأمنية، ما يعني -برأيه- أن الدولة لم تعد تكتفي بالتغاضي عن القتل، بل تشرّعه وتحوّله إلى سياسة دولة.
تجسيد للإبادة المنظمة
أما الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، فيرى أن تبنّي هذا التشريع يشكّل تجسيدا لإبادة منظمة ضد الشعب الفلسطيني، لأن جوهره يقوم على تحويل منطق الحرب إلى قانون دائم. ويقول إن إسرائيل انتقلت من الاغتيال الميداني إلى تقنينه، لتصبح عقوبة الموت وسيلة لإدارة الصراع، لا أداة عدالة.
توظيف سياسي للدم الفلسطيني
في مقاربة أشمل للسياق السياسي، يوضح الدكتور زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بباريس، أن مشروع القانون يعكس حالة توظيف سياسي صريح للدم الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي. فالحكومة -كما يقول- تستخدمه لكسب جمهور اليمين الديني والقومي عبر خطاب الانتقام والردع، بينما تتجاهل تماما تداعياته الأمنية والإنسانية.
انتصار أيديولوجي على حساب الواقع
يضيف ماجد أن نتنياهو وحلفاءه يدركون أن القانون قد لا يغيّر الواقع الميداني، لكنه يمنحهم انتصارا أيديولوجيا، إذ يربط الولاء للدولة بقبول فكرة الإعدام كأداة هوية قومية. ويحذر من أن تمرير القانون سيخلق تفاعلات خطيرة، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تزال مترددة، لأن تطبيق الإعدام على أسرى قد يعقّد المفاوضات حول أي صفقات تبادل مستقبلية، ويعرّض الإسرائيليين المحتجزين لمصير مماثل.
دلالات سياسية وأخلاقية
ويتفق المحللون الثلاثة على أن خطورة المشروع لا تكمن في نصوصه فحسب، بل في دلالاته السياسية والأخلاقية، فهو يعبّر عن مرحلة جديدة من التشريع العنصري، تُكرّس التمييز داخل منظومة القضاء نفسها، وتحوّل القضاء العسكري إلى أداة للانتقام لا للمحاسبة. يرى جبارين أن ما يجري هو تحويل البنية القانونية الإسرائيلية إلى مؤسسة تضفي الشرعية على القتل، وهو ما يتناقض جذريا مع أبسط مبادئ العدالة الدولية.
غطاء دولي ضمني
وبينما تتباين المواقف الغربية الرسمية من المشروع، يرى ماجد أن الازدواجية في ردود الفعل الأوروبية والأميركية تمنح إسرائيل غطاء ضمنيا للمضيّ في هذا الاتجاه، فالمواقف التي تعبّر عن “قلق” بدون تبعات حقيقية، كما يقول، تُقرأ في تل أبيب كضوء أخضر لمواصلة التصعيد التشريعي والسياسي ضد الفلسطينيين.
نحو أبارتايد مقنّن
في المحصلة، تبدو إسرائيل اليوم على عتبة مرحلة جديدة من “الأبارتايد المقنّن”، حيث يصبح القانون أداة لحماية الجريمة لا لمساءلتها، ويغدو الإعدام عنوانا لتحوّل الفاشية من ممارسة متطرفة إلى نظام حكم معلن. وبينما يحتفل اليمين بتصويت الكنيست، يرى محللون أن التشريع الجديد لا يكرّس الردع بقدر ما يفضح جوهر الدولة التي تصوغ قوانينها على مقاس الحرب.


