تحذيرات من تقسيم السودان وتدخلات إقليمية: خبراء يدقون ناقوس الخطر
يشهد السودان أزمة عميقة تتفاقم مع مرور الوقت، أثارت مخاوف واسعة النطاق ليس فقط على المستوى المحلي، بل الإقليمي والدولي. حذّر خبراء وباحثون ومسؤولون سابقون، سودانيون ومصريون، من وجود مخططات أجنبية تهدف إلى تقسيم السودان، مشيرين إلى دور مشبوه لإسرائيل في تأجيج الصراع. جاءت هذه التحذيرات خلال نقاش “طاولة مستديرة” نظمها المركز العالمي للدراسات السياسية والإستراتيجية السوداني، بالتعاون مع مركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم المصري في القاهرة، تحت عنوان “الأوضاع في السودان في ظل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية”. وتأكيداً على أهمية هذا الأمر، يركز النقاش على ضرورة التمسك بوحدة السودان أرضاً وشعباً، ورفض أي محاولة لـ شرعنة مليشيا الدعم السريع، والدعوة إلى حوار سوداني-سوداني شامل يضمن مشاركة جميع الأطراف دون إقصاء.
توصيات “طاولة المستديرة”: وحدة السودان أولوية قصوى
أكد المشاركون في “طاولة المستديرة” على مجموعة من التوصيات الحاسمة للخروج من الأزمة السودانية. في مقدمة هذه التوصيات، الحفاظ على وحدة الأراضي السودانية وسلامة مؤسسات الدولة، وخاصة القوات المسلحة السودانية. كما شددوا على ضرورة إيجاد حل سياسي شامل يرتكز على الإرادة السودانية الخالصة، ويضمن مشاركة جميع القوى الوطنية دون استثناء.
إضافة إلى ذلك، دعا الخبراء إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، وإعادة إحياء “منبر جدة” لاستكمال المفاوضات غير المباشرة بهدف إنهاء الحرب. كما تم التأكيد على ضرورة حسم وضع قوات الدعم السريع وفق جدول زمني واضح للدمج أو التسريح، استناداً إلى “إعلان جدة” الذي تم توقيعه في مايو 2023. هذه التوصيات تعكس قناعة عميقة بأن الحل يكمن في الحوار السوداني الداخلي، مع التأكيد على رفض أي حلول مفروضة من الخارج.
الإسلاميون في السودان: دورهم في الصراع ومخاطر التهميش
أثار موضوع دور الإسلاميين في السودان جدلاً واسعاً خلال النقاش. أوضح وزير الخارجية السوداني السابق، علي يوسف، أن السلام في السودان لن يتحقق إلا من خلال مشروع وطني يشارك فيه الجميع دون إقصاء. وأشار إلى أن ما يمر به السودان ليس مجرد حرب، بل معركة وجود تهدد الدولة بأكملها.
وفيما يتعلق بتصنيف بعض أفرع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة كمنظمات إرهابية، أكد يوسف أن الإسلاميين السودانيين يختلفون عن المنظومة الدولية للإخوان، وأنهم يلعبون أدواراً هامة في الأحداث الجارية، حيث يقاتل شبابهم مع الجيش السوداني للحفاظ على الدولة وصد العدوان. وحذّر من أن دفع التيار الإسلامي نحو التطرف سيكون له عواقب وخيمة، مؤكداً أنهم جزء من الحرب على الإرهاب الحقيقي الذي تمثله مليشيا الدعم السريع. وطالب الولايات المتحدة بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية نظراً للمجازر والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي ارتكبته.
مخططات التقسيم والتدخلات الخارجية: نظرة تحليلية
قدم مدير المركز العالمي للدراسات السياسية والإستراتيجية، عبد العزيز عشر، تحليلاً مفصلاً لأبعاد الأزمة السودانية. وأشار إلى أن الهدنة الإنسانية التي طرحها مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، تهدف حالياً إلى “إنقاذ مليشيا الدعم السريع وإعطائها فرصة لالتقاط أنفاسها” بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش والكتائب التي تقاتل إلى جانبه في إقليم كردفان.
وحذّر عشر من أن أي محاولة لتقويض الوضع القائم ستؤدي إلى شرعنة مليشيا الدعم السريع وداعميها الإقليميين، وتفكيك الدولة على غرار النموذج الليبي، مما سيكون له تأثير كارثي على المنطقة. وأكد على ضرورة وجود حوار شفاف بين القوى السياسية السودانية لإحداث توافقات حول القضايا الوطنية، معتبراً أن “منبر جدة” هو المنصة المناسبة لتحقيق ذلك.
الوضع الميداني والسيناريوهات المحتملة
من جانبه، وصف وزير الدفاع السوداني السابق، إبراهيم سليمان، الوضع في السودان بأنه “غامض”، لكنه أكد أن ثلثي مساحة البلاد آمنة بفضل سيطرة الجيش عليها. وأشار إلى أن إقليم دارفور – باستثناء بعض المحليات – يقع تحت سيطرة الدعم السريع، متوقعاً أن تسحب المليشيا قواتها إلى دارفور في حال صمود الفرقة 22 مشاة في مدينة بابنوسة.
وتوقع سليمان أن تستمر الحرب في دارفور لفترة طويلة نظراً لحدودها المفتوحة مع دول الجوار (تشاد، جنوب السودان، أفريقيا الوسطى) التي تستخدمها الدعم السريع لتلقي الدعم العسكري واللوجستي. وأكد أن الجيش السوداني سينتصر في النهاية، مهما طالت الحرب. ودعا إلى إجراء حوار مع “القوى الإقليمية التي تقف خلف الدعم السريع” لمعرفة ما الذي تسعى إليه من السودان.
الأطماع الإقليمية والدور المصري
أما مدير “مركز فكرة للدراسات”، أمجد فريد، فقد أكد أن الجيش السوداني هو مؤسسة محايدة، وأن الأزمة الحقيقية في السودان ليست بين المدنيين والعسكريين، بل بين “دعاة التحول الديمقراطي والشموليين”. ودعا إلى حوار سوداني للإجابة على أسئلة صعبة حول دور المؤسسة العسكرية بعد الحرب ومستقبل قيادة الجيش.
وأشار إلى أن القوى الإقليمية تسعى للوصول إلى البحر الأحمر، مؤكداً على ضرورة وجود نظام حوكمة للدول المتشاطئة على البحر الأحمر لحماية مصالحها. من الجانب المصري، أكد اللواء خالد مختار، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم المصري، أن السودان يمر بمرحلة مصيرية تتطلب تكاتف الجميع والعمل بروح المسؤولية الوطنية. وشدد على أن الشعب السوداني وقواته المسلحة هما الضامن الوحيد لوحدة وسلامة البلاد.
تحذيرات من مؤامرة صهيونية وتداعيات التقسيم
أطلق القنصل العام المصري السابق في السودان، اللواء حاتم باشات، تحذيرات قوية من وجود أطماع صهيونية في المنطقة، ومخطط لـ تقسيم السودان إلى خمس دول. ودعا السودانيين بمختلف توجهاتهم إلى مواجهة هذه المؤامرة. وأوضح أن الهدف من هذا المخطط هو تفكيك الجيش ثم الدولة ثم الشعب، واستهداف الكوادر والعقول الوطنية، وإحباط الشباب ودفعهم إلى الهجرة.
وحذّر النائب في البرلمان المصري، مصطفى بكري، من أن تقسيم السودان سيكون خطراً على مصر، وسيفتح الأبواب للمرتزقة وتدفقات اللاجئين. وأكد على مركزية الدور المصري في دعم وحدة السودان واستقراره، ومواصلة التنسيق المصري السوداني عبر منصات مشتركة.
باختصار، الأزمة السودانية معقدة ومتشابكة، وتتطلب حلاً سودانياً خالصاً يرتكز على الحوار والتوافق الوطني، مع التأكيد على رفض التدخلات الخارجية ومخططات التقسيم التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها.















