مدريد- تشير دراسة ديموغرافية، أجراها اتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا نهاية عام 2024، إلى أن عدد المسلمين الكلي في إسبانيا يتجاوز مليونا و147 ألفا و300 مسلم، يمثلون 5% من مجموع السكان، وتصل نسبة المسلمين من أصل إسباني إلى 45%.

وتعد المفوضية الإسلامية في إسبانيا الجهة الرسمية الممثلة للمسلمين لدى الحكومة الإسبانية، منذ أن تأسست عام 1990، وتحتضن 2100 جمعية إسلامية، موزعة بين اتحاد الجمعيات الإسلامية والفدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية.

وتوثَّق كل هذه الجمعيات في سجل الهيئات الدينية بوزارة العدل، وتُشكل الجمعيات الدينية بأي بلدة أو حي يوجد فيه عدد كاف من المسلمين عن طريق افتتاح مسجد أو مقبرة، وتوجد معظم هذه الجمعيات في مقاطعات مدريد وكتالونيا والأندلس وفالنسيا ومرسية.

جالية حديثة

وتتولى المفوضية مسؤولية تتبع تطبيق اتفاقية التعاون الموقعة عام 1992 مع الحكومة الإسبانية، وتُعدُ أول اتفاقية رسمية لدولة أوروبية مع الجالية الإسلامية، وهو ما تتميز به إسبانيا على مستوى أوروبا.

وتظهر “الدراسة” أن الإسبان بدأوا باعتناق الدين الإسلامي نهاية ستينيات القرن الماضي، بينما كانت موجات الهجرة منذ الأربعينيات أبرز روافد المسلمين لإسبانيا، الذين يشكلون نسبة 55% من المسلمين، يتقدمهم الوافدون من المغرب (بنسبة 36%) ، ثم باكستان والسنغال والجزائر، إضافة إلى جنسيات 20 دولة أخرى.

وتتركز النسبة الأكبر من المسلمين في المدن الكبرى كبرشلونة ثم مدريد، وتليهم مرسية، وتوجد نسبة منهم أيضا بالمناطق ذات الحكم الذاتي كإقليم أندلسيا جنوب البلاد، إضافة إلى نسبة من المسلمين في مدينتي سبتة ومليلية.

ويقول أيمن الإدلبي، رئيس المفوضية الإسلامية، للجزيرة نت، إن المسلمين بإسبانيا عادوا إلى الظهور حديثا، بعد عام 1967، واقتصر الأمر على مجموعة من الطلاب الجامعيين، الذين أسسوا “المركز الثقافي الطلابي في غرناطة”، وتحول لاحقا إلى مسجد عمر بن الخطاب، ومن ثم انطلقوا وأسَّسوا عدة جمعيات في مناطق مختلفة في إسبانيا، التي أصبحت لاحقا نواة المصليات في البلاد.

ومع استقرار الوضع الديمقراطي بفترة الثمانينيات والتسعينيات، ودخول إسبانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، واعتراف الحكومة رسميا بالدين الإسلامي بموجب الاتفاقية مع المسلمين، تحوَّلت بعض هذه الجمعيات والمصليات إلى مساجد رسمية، وتقام في معظمها صلاة الجمعة، كالمركز الثقافي الطلابي في غرناطة الذي أصبح “مسجد عمر بن الخطاب”، لتبدأ ملامح الجالية المسلمة بالظهور بوضوح في المجتمع الإسباني.

الدكتور أيمن الإدلبي تراس المفوضية الإسلامية الإسبانية في عام 2020

تحديات البناء

وتؤكد مصادر إعلامية عدة، أن أول مسجد بني بشكل مستقل ومتكامل، بعد قرون من سقوط الأندلس، هو مسجد “الملك عبد العزيز آل سعود”، عام 1981 في مدينة ماربيا أقصى جنوب إسبانيا، وتبعه مسجد “البشارات” قرب قرطبة، ثم افتتح مسجد “أبو بكر الصديق” ليكون المسجد المركزي الكبير في العاصمة مدريد، وهو أول مسجد يبنيه المسلمون الإسبان والجالية المسلمة بشكل كامل بمبادرة منهم.

ويوجد، اليوم، في إسبانيا عموما قرابة 2000 مسجد، لكن معظمها موجود ضمن أبنية أو ملحقة بها، وليس في بناء مستقل، وفي مقاطعة مدريد وحدها يوجد 340 مسجدا.

ويوضح الإدلبي، أن مسؤولية الموافقة على بناء المساجد تتبع بلديات وليس للحكومة المركزية، إذ تتعامل البلديات مع المساجد كأماكن عامة يتردد عليها أعداد كبيرة من الناس، ويجب أن تخضع لشروط الأمان والسلامة العامة.

وردا على سؤال الجزيرة نت، عن الشروط التي تفرضها البلديات لإقامة المساجد، يقول الإدلبي “لا شروط سوى أن تكون الجمعية المشرفة على بناء المسجد وإدارته مسجلة بوزارة العدل”.

ورغم أنه لا يوجد أي معيق قانوني رسمي يمنع تشييد المساجد بإسبانيا، إلا أن ما يحول دون ذلك، قد يعود لإجراءات الحصول على الموافقة الرسمية، أو حتى موافقة سكان الحي نفسه، وقد يكون العائق المادي هو التحدي الأبرز لبناء مساجد جديدة.

 

في العاصمة مدريد وضواحيها يوجد 340 مسجد

تعليم الدين

ولا يقتصر دور المساجد في إسبانيا على إقامة الشعائر والعبادات، أو أنها تمثل نقطة تجمع مركزية للمسلمين، بل تعد المصدر الوحيد لتعليم المسلمين، وخاصة الأطفال تعاليم الدين الإسلامي، في ظل عدم وجود أي مدرسة دينية متخصصة في البلاد.

وتسمح مدارس إسبانيا الحكومية بموجب الاتفاق الموقع عام 1992 بتعليم الدين الإسلامي، ولكن باللغة الإسبانية. وفي حال توفر أكثر من عشرة طلاب في مدرسة ما، أن يتقدم ذووهم بطلب تخصيص حصة أسبوعية يقدمها أستاذ متخصص بالتربية الإسلامية، من بين 400 معلم فقط ترشحهم المفوضية الإسلامية.

ويدعم وقف “المؤسسة الأندلسية” عملية تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم في المساجد، في محاولة لتغطية الافتقار إلى تعلم الدين الإسلامي في إسبانيا، الذي يعاني شحا في الموارد المالية والحاجة لتوفير الكتب والوسائل التعليمية المناسبة.

ويقول الإدلبي: “جميع العاملين بهذا الوقف متطوعون، لكن هناك شح كبير في وجود معلمين متخصصين، فالعدد المتوفر لا يغطي احتياجات المسلمين بهذا البلد، ولا توجد بنية تحتية أو منشآت تستوعب تعليم الأطفال والشباب المسلمين”.

ويوضح، أن الحاجة لتوفر معلمين متخصصين زادت كثيرا، والمساجد والمتطوعون بها لا يستطيعون تغطية الحاجة الحقيقية لأبناء المسلمين في إسبانيا، كما أن الفجوة بدأت تتسع بين آباء يتقنون اللغة العربية، لكنهم ضعيفون في الإسبانية، وأبناؤهم الذين يتقنون اللغة الإسبانية ولا يتقنون العربية.

ولا تقتصر حاجة تعليم الجوانب الدينية الإسلامية على الأطفال والشباب، بل تتولى المفوضية الإسلامية أيضا مسؤولية توفير أئمة ومرشدين وموجهين للمسلمين في السجون ومراكز الاحتجاز ودعم القاصرين، بل وفي المستشفيات للمرضى الذين يطلبون الدعم الروحي.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.