للعام الثاني على التوالي، يعيش المسيحيون في قطاع غزة واقعًا مأساويًا مع استمرار الحرب الإسرائيلية، بعيدًا عن منازلهم وأحبائهم، مما ألقى بظلال ثقيلة على حياتهم اليومية، وجعل أعيادهم تمر في جو من الحزن والألم.

المسيحي الفلسطيني طوني المصري، البالغ من العمر 78 عامًا، لم يكن يتخيل أن يعيش نكبة أشد من نكبة عام 1948، التي عاشها والده بعدما هُجِّر من مسقط رأسه في حيفا، إذ اضطر هو وعائلته للفرار إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، قبل أن يستقر في قطاع غزة.

لا مكان آمن

منذ بداية الحرب، لجأ طوني المصري وزوجته إلى كنيسة القديس برفيريوس العريقة (أرثوذكسية شرقية) في مدينة غزة، لكن لم يراوده -وهو واحد من ألف مسيحي في غزة- الشك مطلقا في أن الكنيسة التي بنيت للمرة الأولى قبل 16 قرنا ستوفر مكانا آمنا.

فالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية -الأقدم في المدينة، والواقعة في حي الزيتون- تعدّ ملاذا لكل من المسيحيين والمسلمين خلال حروب إسرائيل الدورية ضد قطاع غزة.

وآوت الكنيسة مئات الأشخاص قبل أن يستهدفها قصف إسرائيلي، ملحقا أضرارا جسيمة بأحد المباني فيها، مما أدى إلى انهيار سقفها ومقتل 18 شخصا على الأقل، بينهم أطفال.

ويقول طوني المصري للجزيرة نت “كنا نظن أن الكنيسة ستحمينا، ولكن مع الأسف، فالجيش الإسرائيلي لا يفرق بيننا، لقد استهدفوا الكنائس والمساجد والمستشفيات، لا يوجد مكان آمن”.

ويشير المصري إلى أنه، بعد قصف الكنيسة، اضطر للنزوح جنوبا ليستقر في منطقة مواصي خانيونس، التي صنفها الاحتلال ضمن “المناطق الإنسانية الآمنة”، بعد عملية نزوح متكررة بين عدة أماكن. انتهى به المطاف إلى الإقامة في خيمة برفقة جاره في مدينة غزة “المسلم” حسام الخليلي، حيث يأكلون ويشربون معًا رغم الظروف القاسية المصاحبة لهما.

ذكريات غابرة

ويسترجع طوني ذكريات احتفاله بأعياد الميلاد الجميلة المليئة بالفرح والدفء التي افتقدها بسبب النزوح والحرب، قائلًا “كنت أزيّن شجرة الميلاد مع زوجتي خلال هذا الموسم المجيد، ونسهر بعد شراء المعمول والكعك وغيرها من الحلوى، ثم نزور أولادي وأحفادي في بيت لحم”.

ويضيف ” كنت أسافر إلى بيت لحم لزيارة أولادي وأحفادي، ولكن الآن، وللسنة الثانية، حرمنا من اللحظات المقدسة بسبب الحرب، حيث كنت أزورهم مرة واحدة كل عام، وهي بالأعياد، لأن الاحتلال الإسرائيلي يسمح لي بزيارة واحدة في العام لبيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة “.

وأوضح المصري أنه محروم من طقوس أعياد الميلاد في خانيونس لأنه لا توجد كنائس لأداء الطقوس الدينية، ولم يستطع التوجه لمدينة غزة، لوجود ممر نتساريم الذي أنشأه الجيش الإسرائيلي ومنع حركة المواطنين من خلال فصل شمال قطاع غزة عن وسطها وجنوبها.

ووصف طوني حياة النزوح في الخيام بأنها مؤلمة، قائلًا “نعاني في مواصي خانيونس من البرد الشديد هذه الأيام، لأن الخيمة لا تقي من شيء وتفتقر إلى جميع مقومات الحياة الأساسية”.

صور عامة من مخيم اليرموك غرب غزة الجزيرة

العالم يشاهد بلا حراك

أما آمال عموري، زوجة طوني المصري، فتشير إلى أن أصعب عيد مرّ عليهم كان في العام الماضي، وكذلك هذا العام، حيث غابت طقوس الأعياد وحلّت الأجواء الكئيبة بدلًا منها، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة.

وتقول للجزيرة نت “قبل النزوح، كنا نحتفل بالشعائر الدينية في الكنيسة. نحن والجيران نجتمع معًا ونحتفل، والجميع يزورنا ونزورهم. الآن نجلس وحيدين في الخيمة”.

وأوضحت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف كنيسة الروم التي كان يوجد بها الكثير من المواطنين الذين لجؤوا إليها للاحتماء بها. وتساءلت “هل ردّ أحد؟ أرسلنا رسائل بكل الوسائل المختلفة، لكن العالم كله يشاهدنا في غزة ونحن نموت تحت القصف”.

من جانبه، قال حسام الخليلي، جار طوني المصري في مدينة غزة، إنه قرر أن يكون بجانب صديقه المسيحي رغم الظروف القاسية، مضيفا “أبو أسعد جارنا في مدينة غزة، ولما نزحنا، تقابلت معه في الجنوب، وأحضرتُه ليكون بالقرب مني في خيمة بمواصي خانيونس”.

ويكمل للجزيرة نت “أردت أن أتمكن أنا وأولادي من إعالته، لأنه كبير في السن ويحتاج إلى من يعتني به. نأكل ونشرب معًا، ونعيش كأسرة واحدة”.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن 3 كنائس تضررت بشكل كبير، كما استهدف الجيش الإسرائيلي المركز الثقافي الأرثوذكسي في “حي الرمال الجنوبي”، غربي مدينة غزة.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.