مع انطلاق “طوفان الأقصى” وتواصل القتال على محاور عدة بين مقاومين فلسطينيين ووحدات الجيش الإسرائيلي، يدور صراع دبلوماسي وسياسي كبير على الرأي العام العالمي ميدانه وسائل الإعلام وأروقة السياسة.

وإذ تبدو دول العالم الغربي مصطفة وموحدة خلف الموقف الإسرائيلي كما توحي تصريحات مسؤوليها الرسميين، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر عديد من المسؤولين السياسيين الغربيين الحاليين والسابقين عن مواقف سياسية مستقلة “منشقة” لا تتماشى مع الانحياز المطلق للموقف والرواية الإسرائيلية كما فعلت الحكومات الغربية، وتتماشى بالمقابل مع مواقف مناصرين للحقوق الفلسطينية لم يجدوا صوتا رسميا يمثلهم فخرجوا متظاهرين بشوارع مدن أوروبية وغربية، أبرزها برلين ولندن ونيويورك.

مواقف أوروبية مستقلة

في القارة العجوز الداعمة تقليديا لإسرائيل، هاجم نواب بالبرلمان الأوروبي وناشطون عبر المنصات التصريحات الأوروبية الرسمية، ودان بعضهم تعاطف المسؤولين مع الاحتلال في مقابل التغافل عن جرائمه.

وهاجم الأيرلندي وعضو البرلمان الأوروبي ميك والاس تصريحات المسؤولين، متهما الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ مع دولة متهمة بالفصل العنصري والإرهاب، ضد الفلسطينيين، معلقا بأن أيديهم ملطخة بالدماء.

وانتقد والاس تصريحات ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، التي دان فيها حماس وتضامن مع إسرائيل، معلقا بأن العنف والإرهاب لا يحلان شيئا.

وعلق والاس “أنت على حق (في قولك) إن الإرهاب والعنف لا يحلان شيئا، الإرهاب والعنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا يجلب الأمان والسلام لشعب إسرائيل، فمتى سيتوقف الاتحاد الأوروبي عن دعم الإرهاب الإسرائيلي”.

كما وجه حديثه لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بعد دعمها إسرائيل قائلا “لماذا لم تدين رئيسة المفوضية أبدا دولة الفصل العنصري إسرائيل لتحويلها غزة إلى سجن يضم 2 مليون شخص، وهل ترى أنه لا يحق للفلسطينيين مقاومة هذا الإرهاب الإسرائيلي”.

كما هاجمتها عضوة البرلمان الأوروبي كلارا دالي، معلقة في تغريدة لها “هذا مقزز، أعطت رئيسة المفوضية إسرائيل تفويضا مطلقا للعنف الصادم الذي ستطلقه ضد المدنيين اليائسين المحتجزين في غزة، تحت ادعاء أنه لدفاع عن النفس”، وأضافت “هذا تأييد للمجزرة. والوحشية التي لا تغتفر، وهي لا تتحدث بالنيابة عنا”.

واستمرت في هجومها على المسؤولة الأوروبية، قائلة “من تظني نفسك؟ أنت غير منتخبة، وليست لديك أي سلطة لتحديد السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أوروبا لا تقف إلى جانب إسرائيل، نحن نقف من أجل السلام”.

وكان عدد من الناشطين قد انتقد تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية وتجاهلها الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، وكتبت الأستاذة الجامعية مارينا كالكولي مستنكرة “إنه واجب أخلاقي أن ندعم مقاومة الشعب ضد المحتل غير الشرعي فقط إذا كان المحتل غير الشرعي ليس صديقا لنا، وإلا، تجب إدانة المظلوم والمضطهد ومعاملة المحتل غير الشرعي باعتباره الضحية”.

الاتحاد الأفريقي

وفي موقف يختلف عن نظيره الأوروبي، ناشد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد وضع حد للنزاع، داعيا الطرفين إلى “العودة، من دون شروط مسبقة، إلى طاولة المفاوضات لتطبيق مبدأ دولتين تعيشان جنبا إلى جنب”.

ودعا في بيان -نشره الاتحاد الأفريقي الذي يضم 55 دولة ليل السبت على منصة إكس- “المجتمع الدولي وقوى العالم الرئيسية على وجه الخصوص إلى تحمل مسؤولياتها المتمثلة في إرساء السلام وضمان حقوق الشعبين”.

وأضاف البيان أنه “يرغب بالتذكير بأن حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية، خصوصا تلك المرتبطة بدولة مستقلة وذات سيادة، هو السبب الرئيسي للتوتر الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

جدل محتدم في فرنسا

وفي فرنسا، وُجهت أمس الأحد انتقادات لحزب اليسار الراديكالي الفرنسي “فرنسا المتمردة”، أحد أبرز الأحزاب المعارضة في البلاد، على خلفية موقفه “المتوازن” من هجمات حماس على إسرائيل، الذي رأت فيه رئيسة الوزراء إليزابيث بورن “شكلا من أشكال معاداة السامية”.

وكانت بورن قد نددت بما سمته “الغموض المقزز” لحزب جان لوك ميلانشون الذي حل ثالثا في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، والذي وازى بين أفعال حماس وسياسات الحكومة الإسرائيلية.

وقالت رئيسة الوزراء خلال مشاركتها في منتدى لحزب “النهضة” الرئاسي في بوردو (جنوب غرب البلاد) إن “معاداة الصهيونية” في حزب فرنسا المتمردة “هي أيضا وسيلة لإخفاء معاداة السامية”.

وندد حزب “فرنسا المتمردة” في وقت سابق بكل من حماس والاستيطان الإسرائيلي، وهو موقف مغاير لبقية الطبقة السياسية الفرنسية التي دانت هجمات حماس فقط، وقال الحزب في بيان السبت إن “الهجوم المسلح لقوات فلسطينية بقيادة حماس يأتي في سياق تكثيف سياسة الاحتلال الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية”.

واعتبر ميلانشون -الذي دافع عن حقوق المسلمين في القارة الأوروبية إبان حملته الرئاسية- أن “كل العنف المستخدم ضد إسرائيل وفي غزة يثبت أمرا واحدا فقط هو أن العنف لا يولد إلا العنف”.

ودعا ميلانشون لوقف إطلاق النار، وطالب فرنسا بالعمل على ذلك بكل قوتها السياسية والدبلوماسية. وقال إن على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي العيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وإن السبيل لذلك هو حل الدولتين، وفقا لقرارات الأمم المتحدة.

ورد ميلانشون مدافعا عن موقفه بقوله: “عبرت عن الموقف الثابت لبلدنا منذ عهد (الجنرال شارل) ديغول” الرئيس الأسبق ومؤسس الجمهورية الخامسة، وتابع “الموافقة على المجزرة المستمرة عار على بورن. فرنسا لا تتحدث على هذا النحو!”، متهما رئيسة الوزراء بـ”الحشد” لصالح “وجهة نظر أجنبية”.

وفي السياق ذاته، تساءل زعيم “الحزب الجديد المناهض للرأسمالية”، والمرشح الرئاسي السابق فليب بوتو -في تدوينة عبر منصة إكس- عن جدوى دعم بلاده لإسرائيل، قائلا “إن هذا يعني دعم دولة استيطانية دانتها الأمم المتحدة عدة مرات”.

في المقابل، شن اليمين المتطرف هجوما واسعا على أحزاب اليسار في فرنسا، خصوصا حزب “فرنسا المتمردة”، ودعا إلى حله نهائيا عبر وسم يحمل هذا المعنى (#DissolutionLFI) بدعوى أنه حزب “يدعم إرهابيي حركة حماس”.

ورفض ناشطون الهجوم الذي شنه اليمين المتطرف على حزب “فرنسا المتمردة” واعتبروا موقفه متوازنا، داعين إلى حل أحزاب اليمين واليمين المتطرف التي تشكل -حسب رأيهم- خطرا على المجتمع الفرنسي.

وفي سياق متصل، هاجم نشطاء ومدونون فرنسيون بلدية باريس بسبب إطفاء أنوار برج إيفل ليلا تضامنا مع إسرائيل، إذ قالت عمدة باريس آن هيدالغو إن إظلام البرج جاء “تكريما لجميع ضحايا الهجوم الإرهابي الذي ارتكبته حماس. ومساء الغد، وتضامنا مع الإسرائيليين، ستتم إضاءته بألوان علمهم”.

وتساءل نشطاء -عبر منصة إكس- لماذا لا يلقى الدم الفلسطيني الإدانة نفسها التي يلقاها الدم الإسرائيلي؟ ولماذا لم تتحرك بلدية باريس طوال سنوات من إبادة المدنيين الفلسطينيين من طرف قوات الاحتلال؟، وفق قولهم.

فكتب الناشط إيلان غابيت عبر حسابه “ألا تستحق حياة المدنيين الفلسطينيين إنسانيتنا؟ علينا أن نتضامن مع شعوب العالم كافة، حتى الشعوب العربية، من دون استثناء”.

وذكرت الناشطة أريان أنيمويانيس “لم أر يوما برج إيفل يخرج للتنديد بمقتل أكثر من 120 ألف فلسطيني من المدنيين كل هذا بسبب الاحتلال الإسرائيلي”.

ودوّن صانع المحتوى بالتي قائلا “لو كان علينا أن نحصي عدد المرات التي كان ينبغي فيها إطفاء أرض إيفل تضامنا مع الضحايا الفلسطينيين، لكانت فرنسا وفرت المال على مدى 100 عام”.

أميركا اللاتينية

وفي القارة اللاتينية المعروفة بتاريخها في دعم النضال الفلسطيني، انتقد رئيس بوليفيا السابق إيفو موراليس موقف بلاده وإسرائيل عقب الهجوم الذي شنته كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، على إسرائيل من قطاع غزة المحاصر.

وقال موراليس -في منشور على منصة إكس- “نأسف لأن بيان وزارة الخارجية البوليفية لا يعكس الوضع الحقيقي للشعب الفلسطيني، ومن بوليفيا، ندين الأعمال الإمبريالية والاستعمارية للحكومة الصهيونية الإسرائيلية”.

من جانب آخر، قالت وزارة الخارجية الفنزويلية، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، إنها تتابع بقلق الأحداث الجارية في قطاع غزة.

وأوضحت الخارجية الفنزويلية أن سبب تصاعد العنف هو عدم استيفاء الحقوق التاريخية لفلسطين في القانون الدولي.

كولومبيا الرسمية مع فلسطين

وفي كولومبيا، قال رئيس البلاد غوستافو بيترو إن أطفال إسرائيل لن يهنؤوا بالنوم بسلام ما لم يهنأ أقرانهم الفلسطينيين بسلام.

وجاء ذلك في منشور لبيترو عبر حسابه على منصة إكس السبت، تعليقا على التوتر الإسرائيلي الفلسطيني القائم.

وأرفق بيترو تدوينته بصور أطفال فلسطينيين قتلوا جراء الهجمات الإسرائيلية.

وشدد الرئيس الكولومبي على أن الحرب لن تحقق ذلك الأمل المنشود، ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال اتفاق سلام يحترم الشرعية الدولية وحق الشعبين في العيش الحر.

ومشيرا إلى الصور التي نشرها، قال “هذه الصور لأطفال فلسطينيين قتلوا على يد الاحتلال غير الشرعي لأراضيهم”.

كما نشر بيترو صورا أرشيفية للنكبة والخريطة التي توضح مسار احتلال الأراضي الفلسطينية على مر السنين، رغم تعرضه لإساءات من حسابات مدعومة إسرائيليا، كما طالب بيترو -في منشور سابق- بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

وفي خطابه أمام مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة يوم 19 سبتمبر/أيلول الماضي، اقترح بيترو على العالم عقد قمتين للسلام لحل المشاكل المستمرة في أوكرانيا وفلسطين.

وفي المقابل، انتقد سفير إسرائيل لدى بوغوتا، غالي داغان، الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو لعدم إدانته الهجمات التي شنتها كتائب عز الدين القسام على إسرائيل من قطاع غزة المحاصر.

وطالب داغان، في تصريح لمجلة سيمانا الكولومبية، حكومة بوغوتا برفع صوتها بقوة ضد ما سماه “الإرهاب”.

وأضاف أنه لا يرى صحة في كلام الرئيس الكولومبي الذي قال إنه “لا يوجد فرق بين الغزو الروسي لأوكرانيا والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”.

ورد الرئيس الكولومبي على تصريحات السفير الإسرائيلي عبر منشور على منصة إكس قال فيه “رد حكومتي ما كان ليتغير سواء أدى الإرهاب إلى مقتل أطفال أبرياء في كولومبيا أو في فلسطين”.

وأردف “أطلب من إسرائيل وفلسطين أن تجلسا إلى طاولة المفاوضات من أجل السلام الذي يسمح بوجود دولتين حرتين وذات سيادة وشعبين”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.