يشهد الضفة الغربية المحتلة تصاعدًا مقلقًا في وتيرة التهجير القسري للفلسطينيين، لعام ثاني على التوالي. هذا التهجير ليس مجرد نتيجة عرضية، بل هو نتيجة مباشرة لهجمات المستوطنين المتزايدة، وسياسات الهدم الممنهجة، والعمليات العسكرية التي تترافق مع خطط التوسع الاستيطاني الإسرائيلية. الواقع على الأرض، الذي تفاقم بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر 2023، يشير إلى أن المنطقة أصبحت أكثر عرضة لهذه الخطط، وهو ما يراه خبراء جزءًا من مشروع سياسي وأمني إسرائيلي مُحكم.
تصاعد العنف الاستيطاني وتأثيره على الفلسطينيين
تشهد شهادات الفلسطينيين من مختلف المناطق في الضفة الغربية اشتدادًا ملحوظًا في الاعتداءات منذ بداية الحرب. إحدى السيدات من سكان المنطقة، أوضحت أن منزل عائلتها، الذي يعود بناؤه إلى السبعينيات وحصل على ترخيص قانوني، أصبح هدفًا للتوسع الاستيطاني التدريجي، بدءًا من اقتلاع أشجار الزيتون وصولًا إلى إلقاء الأتربة على المنزل.
قصص أخرى تروي تفاصيل مروعة، مثل تعرض مواطنين مسلحين للاعتداء وسرقة ممتلكاتهم، وحصار يومي للمنازل مع مرور مستوطنين مسلحين، واعتداءات متكررة تزامناً مع أي “حدث” في المنطقة. عائلة أخرى اضطرت لمغادرة منزلها الجديد بعد تكرار الاعتداءات وتدمير ممتلكاتها، ومنع أطفالها من الوصول إليه. هذه ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من نمط ممنهج يهدف إلى إجبار الفلسطينيين على ترك ديارهم.
أرقام مقلقة: حجم النزوح بسبب العنف وسياسات الهدم
بين يناير 2024 وسبتمبر 2025، تسبب عنف المستوطنين في نزوح 1897 فلسطينيًا، أغلبهم من مناطق طوباس ورام الله والخليل. إضافة إلى ذلك، دفعت سياسة الهدم العقابي حوالي 1000 فلسطيني إلى النزوح بعد تدمير 214 مبنى، 40% منها بعد السابع من أكتوبر 2023.
الوضع أكثر صعوبة في التجمعات البدوية في المنطقة “ج”، حيث نزح أكثر من 1000 فلسطيني، بالإضافة إلى حوالي 500 في القدس الشرقية. العمليات العسكرية لم تستثنِ أي منطقة، حيث تضررت 1460 مبنى في جنين وطولكرم، مما أدى إلى نزوح 32 ألف شخص، ثلثهم من مخيم جنين. هذه الأرقام الصادمة تؤكد حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون.
التهجير القسري للفلسطينيين كجزء من مشروع استيطاني أوسع
الضفة الغربية، في الرؤية الإسرائيلية، ليست مجرد أرض، بل هي منطقة تتقاطع فيها اعتبارات دينية وأمنية واقتصادية. تُستخدم آليات متعددة للتوسع الاستيطاني، مما يجعل المنطقة أكثر عرضة للضم التدريجي.
منظومة استيطانية متعددة المستويات
وفقًا لتقرير للصحفي صهيب العصا، هناك منظومة استيطانية معقدة تتكون من عدة مستويات. تبدأ هذه المنظومة بالقرارات الحكومية المباشرة، مثل إعلان آلاف الدونمات كـ”أراضي دولة”، والمصادقة على مخططات بناء جديدة، وشرعنة البؤر العشوائية وتحويلها إلى مستوطنات كاملة.
إلى جانب المستوى الرسمي، تلعب الأطراف غير الرسمية دورًا متزايد الأهمية كأذرع تنفيذية للضم على الأرض. مجموعات مثل “فتيان التلال” تفرض الوقائع بالعنف وتدفع الفلسطينيين إلى النزوح القسري، وغالبًا ما تحظى بحماية الجيش الإسرائيلي. منظمات استيطانية مثل “ريغافيم” و”إلعاد” تعمل في المحاكم والبلديات لتجفيف الوجود الفلسطيني من خلال الدعاوى والملفات القانونية.
هذا التشابك بين القانون والعنف يخلق بيئة استيطانية مكتملة، تُحكم الخناق على الجغرافيا وتسهّل توسيع السيطرة على الضفة الغربية، في إطار مشروع يهدف إلى تقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلية.
الأدوات المستخدمة في مشروع التوسع الاستيطاني
المدير العام للتوثيق والنشر بهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داود، يوضح أن إسرائيل تسعى إلى “إعدام إمكانية قيام دولة فلسطينية” من خلال تفتيت الأرض وتغيير تركيبتها الديمغرافية. ويحدد داود ثلاث أدوات رئيسية لتحقيق هذا الهدف:
- مصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأرض.
- استخدام العنف الاستيطاني لفرض الوقائع على الأرض.
- تطويق هذه الإجراءات ببيئة تشريعية تجعل أي حل سياسي مستقبلي شبه مستحيل.
التهجير القسري للفلسطينيين هو جزء أساسي من هذه الأدوات، حيث يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة وتسهيل السيطرة الإسرائيلية عليها.
المقاومة والصمود الفلسطيني
على الرغم من هذه التحديات الهائلة، يؤكد الفلسطينيون أنهم “لا يسلمون بهذه الإجراءات” ويواصلون مراكمة أدوات المقاومة والنضال. الصمود الفلسطيني في وجه هذه السياسات هو دليل على الإرادة القوية في الحفاظ على الحق في الأرض والوطن. المجتمع الدولي مدعو للتحرك الفوري لوقف التهجير القسري للفلسطينيين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
كلمات مفتاحية ثانوية: العنف الاستيطاني، سياسات الهدم، الضفة الغربية المحتلة.















