تونس تعيش هذه الأيام حالة غليان واضحة في ظل تواتر غير مسبوق لتحركات احتجاجية مختلفة تتقاطع في توقيتها ومطالبها، وتشير إلى موجة غضب اجتماعي وسياسي تتسع يوما بعد يوم. وتأتي هذه التحركات في سياق تصاعد السخط الشعبي تجاه سياسات الرئيس قيس سعيد والحكم الفردي الذي يمارسه، بالإضافة إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. ومع اقتراب مظاهرة يوم غد السبت المقررة، يزداد الترقب وتتزايد المخاوف من رد فعل الأمن. هذا المقال سيتناول تفاصيل هذه الاحتجاجات في تونس، أسبابها، ومطالب المشاركين فيها.

تصاعد الغضب الشعبي: نظرة عامة على الاحتجاجات

لم تكن الاحتجاجات الحالية مفاجئة، بل هي نتيجة تراكم لخيبات الأمل وتدهور الظروف المعيشية. فمنذ توليه السلطة في عام 2019، واجه الرئيس قيس سعيد انتقادات متزايدة بسبب قراراته التي اعتبرها البعض تقويضًا للديمقراطية وحريات المواطنين. وانصب التركيز الأولي على الأزمة السياسية وتجميد عمل البرلمان، لكن سرعان ما امتدت شرارة الغضب لتشمل مختلف القطاعات، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الخدمات العامة.

احتجاجات الأطباء الشبان: صرخة ألم في وجه الإهمال

تصدر الأطباء الشبان في تونس عناوين الأخبار هذا الأسبوع باحتجاجاتهم الغاضبة أمام البرلمان بالتزامن مع مناقشة مشروع ميزانية وزارة الصحة لعام 2026. وقد عبروا عن استيائهم الشديد من “التنكر” لوزارة الصحة للاتفاق الذي تم التوصل إليه معهم في 3 يوليو الماضي، والذي كان يضمن لهم مستحقاتهم المالية وتحسين ظروف عملهم.

وجيه ذكار، رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان، أكد في تصريحات للجزيرة نت أن السلطة لم تحترم التزاماتها، وهو ما أفقدهم الثقة في النظام. وأشار إلى أن العديد من الأطباء لم يتلقوا أجورهم منذ خمس سنوات، وهو وضع كارثي ينذر بمخاطر كبيرة على مستقبل القطاع الصحي. يذكر أن هجرة الأطباء الشبان تمثل تهديدًا حقيقيًا للقطاع الصحي، حيث يفضل الكثير منهم البحث عن فرص أفضل في الخارج.

إضراب النقابيين والعمال في صفاقس: مطالبٌ ملحة بزيادة الأجور

إلى جانب احتجاجات الأطباء، تشهد محافظة صفاقس إضرابًا مكثفًا للنقابيين والعمال في المؤسسات الاقتصادية الخاصة، للمطالبة بزيادة في الأجور. يواجه العمال صعوبات متزايدة في تلبية احتياجاتهم الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.

هذه الاحتجاجات تعكس حالة الإحباط واليأس التي تعيشها الطبقة العاملة في تونس، والتي تطالب بحقوقها المشروعة في حياة كريمة. وتشكل هذه الإضرابات ضغطًا إضافيًا على الحكومة لإيجاد حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

قابس: احتجاجات ضد التلوث البيئي

في محافظة قابس الجنوبية، تتصاعد الاحتجاجات ضد الوحدات الملوثة التابعة للمجمع الكيميائي، والتي تسببت في حالات اختناق وتسمم وسط الأهالي. يطالب المحتجون بتفكيك هذه الوحدات واتخاذ إجراءات فعالة لحماية صحة المواطنين والبيئة.

حركة “ضد الظلم”: تصعيد سياسي وشعبي

تأتي المظاهرة المقررة يوم السبت تحت شعار “ضد الظلم” كجزء من حركة تصعيد سياسي وشعبي أوسع نطاقًا. يهدف المتظاهرون إلى التنديد بالمحاكمات السياسية، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع يد السلطة عن الحريات العامة.

هشام العجبوني، القيادي في التيار الديمقراطي، يرى أن هذه الاحتجاجات هي نتيجة منطقية لإغلاق باب الحوار من قبل السلطة، وغياب أي إصغاء للمطالب الشعبية. ويضيف أن الرئيس قيس سعيد لم ينجح في تحسين الأوضاع خلال أربع سنوات من حكمه الفردي، بل على العكس، تفاقمت الأزمات في جميع المجالات.

موقف الصحفيين: حرية الإعلام مهددة

لم تسلم قضية الحريات في تونس من دائرة الاحتجاج، حيث خرج مئات الصحفيين التونسيين للاحتجاج أمام مبنى الحكومة، مطالبين برفع السلطة يدها عن الإعلام، وإلغاء المرسوم 54 الذي يقيد عمل الصحفيين ويعرضهم للملاحقة القضائية.

زياد الدبار، نقيب الصحفيين التونسيين، أكد أن التضييق على الصحافة أصبح سياسة ممنهجة، وأن أبسط حقوق الصحفيين مهددة، بما في ذلك الحصول على البطاقة المهنية. ويرى أن الدولة تسعى لإخضاع الإعلام والسيطرة عليه، في مخالفة صريحة للدستور والالتزامات الدولية.

الوضع في تونس: نحو مستقبل غامض

في الختام، يمثل المشهد الحالي في تونس انعكاسًا عميقًا للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. تتصاعد الاحتجاجات في مختلف القطاعات، وتزداد المطالب حدة، ويصبح المستقبل أكثر غموضًا. يتطلب الوضع الحالي حوارًا وطنيًا جادًا وشفافًا، ومراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة، وإلا فإن البلاد قد تواجه المزيد من الاضطرابات والتوترات.

هل ستتمكن الحكومة التونسية من احتواء الغضب الشعبي وإيجاد حلول للأزمة المتفاقمة؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة. ويمكن متابعة آخر التطورات المتعلقة بالأوضاع السياسية في تونس عبر مصادر الأخبار الموثوقة.

شاركها.
اترك تعليقاً