في تحليل لاذع، انتقدت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن قطاع غزة والدولة الفلسطينية، واصفة إياه بالغموض الشديد الذي سمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالترحيب به دون أي قلق حقيقي على سياسات حكومته. هذا القرار، الذي طال انتظاره، يثير تساؤلات حول جدية المجتمع الدولي في تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية، وخصوصًا في ظل تعقيدات الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة. يركز هذا المقال على تفاصيل الانتقادات الموجهة للقرار، و دلالات ترحيب نتنياهو به، والتداعيات المحتملة على مستقبل الدولة الفلسطينية.
قرار مجلس الأمن الدولي: غموض يخدم إسرائيل
القرار الأممي، الذي أقرّه مجلس الأمن في يوم الاثنين، تضمن بنودًا تتعلق بإنشاء قوة استقرار دولية في غزة، مهمتها الأساسية تفكيك الأسلحة لدى “الجماعات المسلحة غير التابعة لدول”، وتأمين الحدود، وحماية العمليات الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، ينص القرار على تشكيل “مجلس سلام” لإدارة القطاع بشكل مؤقت، لحين استكمال السلطة الفلسطينية برنامج إصلاح شامل.
وفقًا للصحيفة، هذه الصياغة غامضة للغاية، وتحديدًا عبارة “مسار ذي مصداقية نحو إقامة الدولة”. ترى هآرتس أن هذا الغموض هو ما مكن نتنياهو من اعتباره غير تهديدي، بل ومرحباً به، خاصة وأن رؤيته السياسية تقوم على عرقلة أي خطوات جادة نحو إقامة دولة فلسطينية. فمفهوم “التهيئة” لظهور دولة فلسطينية يفتح المجال لتأجيلات لا نهاية لها، وربط المصير بمتطلبات غير محددة.
ترحيب نتنياهو: مؤشر على ضعف القرار
ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالقرار، وهو نفسه المطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، يعتبره المحللون في هآرتس دليلًا قاطعًا على أن القرار لا يشكل أي خطر حقيقي على استمرار الاحتلال. تساؤل الصحيفة الرئيسي هو: إذا كان القرار يُعتبر تهديدًا حقيقيًا للمصالح الإسرائيلية، فلماذا لم يكن نتنياهو أول من انتقدِه؟
هذا الترحيب يثير الشكوك حول ما إذا كان الهدف الحقيقي من هذا القرار هو توفير غطاء دولي لسياسات إسرائيلية قائمة، بدلاً من دفع عملية السلام إلى الأمام. فالقرار، كما يراه البعض، يركز بشكل كبير على الجانب الأمني، مع إغفال تام للقضايا السياسية الجوهرية التي تتطلب حلولًا عادلة ودائمة.
صلاحيات ترامب ومخاطر فقدان السيادة
أحد أبرز جوانب الانتقاد التي وجهتها هآرتس للقرار هو منح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، صلاحيات واسعة في تأسيس “مجلس السلام” وإدارة غزة. تحذر الصحيفة من أن هذا الأمر قد يؤدي إلى تجريد القطاع من سيادته، ووضعه تحت إدارة أميركية غير محدودة النفوذ.
هذا الأمر يثير قلقًا بالغًا بشأن مستقبل الحكم الذاتي الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. فالاعتماد الكلي على الإدارة الأميركية، في غياب جدول زمني واضح لانسحاب الجيش الإسرائيلي أو ترتيبات لإنشاء قوة فلسطينية بديلة، يضعف بشكل كبير فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
تجاهل الضفة الغربية: استمرار سياسة “فرّق تسُد”
تؤكد هآرتس أن تجاهل القرار للوضع المتفجر في الضفة الغربية يكرّس سياسة “فرّق تسُد” التي لطالما اتبعتها إسرائيل لعقود. فمن خلال التركيز على قطاع غزة فقط، تتجاهل الأمم المتحدة التحديات الكبيرة التي تواجه الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك الاستيطان المتزايد، واقتحام المدن والقرى، والقيود المفروضة على الحركة والتنقل، والوضع السياسي المعقد.
هذا التجاهل يُضعف فرص تحقيق سلام شامل ودائم، ويُبقي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في حالة من الجمود والتفاقم. كما أنه يرسل رسالة سلبية إلى الفلسطينيين، مفادها أن المجتمع الدولي لا يهتم بمعاناتهم، ولا يسعى إلى تحقيق حقوقهم العادلة والمشروعة.
مفتاح الحل في يد ترامب
في الختام، ترى هآرتس أن الرئيس ترامب يمسك بمفتاح الحل. فإذا كان مقتنعًا حقًا بأن إقامة الدولة الفلسطينية أمر ضروري لمصلحة إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة بأسرها، فعليه أن يمارس ضغوطًا حقيقية على نتنياهو.
هذه الضغوط يجب أن تشمل الإلزام بالحفاظ على وقف إطلاق النار، وربط عملية التطبيع مع دول المنطقة بالاعتراف بدولة فلسطين، ووضع جدول زمني واضح لإنهاء الاحتلال. فبدون هذه الخطوات الجادة، سيظل القرار الأممي مجرد كلام إنشائي، لا يساهم في تحقيق حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. القرار يحتاج إلى ترجمة على أرض الواقع، وربط التنفيذ بمسار سياسي واضح ومحدد، لكي لا يضيع في متاهات السياسة الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن يبذل جهودًا مضاعفة لحل قضايا اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس، والتي تعتبر من القضايا الجوهرية التي لا يمكن تجاهلها في أي عملية سلام حقيقية. فإن غياب حلول لهذه القضايا سيؤدي إلى استمرار الصراع، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني.















