واشنطن- أثناء انشغال الأميركيين بالتسوق مساء يوم ما تسمى “الجمعة السوداء” (الجمعة التي تعقب عيد الشكر) ظهر الرئيس جو بايدن من مدينة نانتوكيت في ولاية ماساشوستس حيث يقضي عطلة عائلية، ليتحدث إلى الشعب الأميركي عن بدء الإفراج عن الرهائن والمحتجزين تنفيذا لتطبيق اتفاق الهدنة المؤقتة في غزة الذي تم التوصل إليه قبل أيام.

تحدث بايدن عن دوره الشخصي في التوصل إلى الهدنة المؤقتة، وتحدث عن معاناة الرهائن الإسرائيليين وفرحة لمّ شملهم مع عائلاتهم، وتجاهل أي ذكر للأسرى الفلسطينيين، النساء منهم والأطفال، ولم يتطرق إلى آلاف الضحايا من المدنيين في قطاع غزة.

وفي تبريره استمرار دعمه العدوان الإسرائيلي يردد بايدن ادعاء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن هجماتها أجبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على التفاوض على إطلاق سراح الأسرى وبدء الهدنة المؤقتة.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار دبلوماسي أميركي سابق (فضل عدم ذكر اسمه) إلى أن “حسابات بايدن تجاه أزمة غزة كانت بسيطة منذ البداية، فهو يدرك أن إسرائيل تنال دعم الحزبين، من هنا اختياره دعم إسرائيل جاء كبديل لن يسبب له أي متاعب”.

لكن استمرار العدوان الإسرائيلي لمدة 50 يوما وما شهدته غزة من قتل ودمار ووحشية إسرائيلية غير مسبوقة سبّبا حرجا كبيرا لبايدن، وصب الكثير من الديمقراطيين غضبهم على الرئيس الأميركي لما اعتبروه تواطؤا كاملا في العدوان على قطاع غزة.

من هنا اعتبر كثير من المراقبين أن خطاب بايدن للشعب الأميركي ما هو إلا محاولة لإعادة صياغة صورته المتضررة لدى قطاع كبير من الناخبين الديمقراطيين، وإظهاره من داعم للحرب إلى صانع للسلام.

دور شخصي

وفي كلمته للشعب الأميركي، قال بايدن “يمكن أن نعرب عن امتناننا اليوم لاجتماع أسر بأحبائها المحتجزين كرهائن منذ نحو 50 يوما، إذ سيتوقف القتال في غزة لمدة 4 أيام، وذلك بموجب صفقة تم التوصل إليها بفضل دبلوماسية أميركية مكثفة، بما في ذلك من خلال اتصالات عدة أجريتها من المكتب البيضاوي مع قادة من مختلف أنحاء المنطقة”.

وأضاف بايدن عبارات عدة تبرز دوره الشخصي في التوصل إلى هذه الهدنة، حيث قال “اليوم هو ثمرة الكثير من العمل الشاق وأسابيع من العمل على المستوى الشخصي، لقد عملت وفريقي على مدار الساعة لإطلاق سراح الرهائن منذ اللحظة التي اختطفتهم فيها حماس”.

وقال “لقد ضغطت بشكل متسق من أجل هدنة في القتال لسببين، أولهما تسريع عمليات تسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة وتوسيع نطاقها، والآخر تسهيل عملية الإفراج عن الرهائن”.

وأضاف “لقد تحدثت على مدار الأسابيع الأخيرة وعلى نحو متكرر مع كل من أمير قطر والرئيس المصري السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للمساعدة في التوصل إلى هذه الصفقة”.

كما سعى بايدن إلى إضفاء صيغة إنسانية على كلمته، وقال “لقد عانى كافة هؤلاء الرهائن الأمرّين، وهذه بداية رحلة طويلة نحو التعافي بالنسبة إليهم (..)، نذكرهم أنا وزوجتي جيل في صلواتنا اليوم”.

ثم تطرق بايدن إلى معاناة أهل غزة، وقال “توفر هذه الهدنة المطولة فرصة حاسمة لتسليم مساعدات الطعام والأدوية والمياه والوقود التي يحتاجها المدنيون في غزة، ولن نضيّع أي دقيقة”، مضيفا “لقد ركزت على هذا منذ زيارتي إلى إسرائيل”.

وسأل أحد الصحفيين بايدن قائلا “سيدي الرئيس، كم تتوقع أن تستغرق هذه الحرب؟ وهل شجعت رئيس الوزراء نتنياهو على تحديد فترة زمنية نهاية هذا العام على سبيل المثال لوقف القتال؟”.

لكن بايدن تجاهل نقطة توقيت وقف القتال كما يطالبه ملايين الأميركيين، مكتفيا بالرد “لقد شجعت رئيس الوزراء على التركيز على محاولة تخفيض عدد الضحايا فيما يحاول التخلص من حركة حماس، ويعد ذلك هدفا مشروعا بالنسبة إليه، هذه مهمة صعبة، ولا أعرف كم من الوقت ستستغرق”.

أصوات الشباب

ويشير استطلاع للرأي أجرته رويترز/ إبسوس في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إلى أن 77% من الديمقراطيين يعتقدون أن “على إسرائيل أن تدعو إلى وقف إطلاق النار وأن تحاول التفاوض”.

كما وجد أحدث استطلاع على المستوى الوطني لشبكة “إن بي سي” أن الرئيس بايدن يتخلف عن الرئيس السابق دونالد ترامب بين الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، حيث حصل ترامب على دعم 46% من هذه الفئة وحصل بايدن على 42% فقط.

يذكر أنه خلال انتخابات عام 2020 وطبقا لنتائج تحليل تصويت الناخبين الذي أجراه مركز بيو للأبحاث فاز بايدن بأصوات الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما بنسبة 59% مقابل 35% لصالح ترامب.

ويرجع الكثير من المعلقين هذا التراجع الكبير في دعم الشباب إلى أسباب عدة، على رأسها موقف بايدن من العدوان المستمر على قطاع غزة.

ويرى الكثير من المعلقين أن موقف بايدن المبدئي والداعم كليا للجانب الإسرائيلي لم يأخذ في حساباته قوة أصوات الشباب واهتمامهم بقضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وذكر الدبلوماسي الأميركي المتقاعد للجزيرة نت أن “بايدن يمثل آخر رموز جيل الشيوخ الكبار في السياسة الأميركية، ولا يسمح له عمره بإدراك أهمية أصوات الشباب وتفضيلاتهم وميولهم السياسية، هذا جيل لا يعرفه بايدن، هؤلاء ناخبون لا يستقون معلوماتهم ورؤيتهم للعالم من وسائل الإعلام التقليدية مثل آبائهم وأجدادهم، هم لا يشاهدون الشبكات الإخبارية، ولا يقرؤون الصحف التقليدية، مصدرهم الرئيسي هو إنستغرام وتيك توك ويوتيوب”.

ولا يبدو أن تلون بايدن سينجح في إقناع الشباب بتغير موقفه نظرا إلى دعمه الكامل لإسرائيل ومطالبته بالقضاء على حركة حماس فور معاودة العدوان الإسرائيلي مع انتهاء أيام الهدنة.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.