غزة – رغم دخول شهر رمضان يومه الخامس، لم يشعر المواطن أحمد هاشم بأي فرق يذكر عن الأيام التي سبقت ذلك، فلا المبيعات زادت، ولم يلمس الأجواء المبهجة التي كانت غزة تعيشها قبل الحرب خلال الشهر الفضيل.
يمتلك هاشم بسطة لبيع أدوات التنظيف في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة، ويقول للجزيرة نت “الناس حزينة؛ لا توجد حركة بيع وشراء كما السابق، ولم تنشط الحركة التجارية في رمضان الذي غابت أجواؤه أيضا، والأمور كانت أفضل بكثير سابقا”.
وخلال السنوات التي سبقت الحرب كان الغزّيون يستقبلون رمضان بتعليق الزينة وإضاءة الشوارع بالفوانيس الملونة والأهلّة، وهو ما يضفي جوا احتفاليا على المدينة.
وأغلقت مئات المتاجر التي كان تزوّد السكان بالبضائع أبوابها بسبب الدمار، واستبدلت بالبسطات العشوائية التي تنتشر بكل مكان.
ومع انعدام القدرة الشرائية بسبب الأحوال الاقتصادية الصعبة، أصبح سكان غزة يعانون تحديات كبيرة لتوفير احتياجاتهم الأساسية، فضلا عن احتياجات رمضان من طعام وشراب.
وبسبب صعوبة المواصلات وارتفاع تكلفتها لم يعد بمقدور المواطنين زيارة أقاربهم وصلة أرحامهم كما جرت العادة في رمضان.
وزادت التهديدات الإسرائيلية الأخيرة باستئناف العدوان العسكري، بالتزامن مع وقف إدخال المساعدات ورفض الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، من قلق المواطنين، ونغَّصت فرحتهم بحلول رمضان.

الطعام “كماليات”
واتفق البائع أبو وسام مع زميله هاشم بافتقاد مدينة غزة لأجواء شهر رمضان التقليدية. ويقول أبو وسام الذي يملك بسطة لبيع الأطعمة والحلوى الرمضانية (المخللات والتمر وقمر الدين) “لم ترتفع الأسعار في رمضان. ورغم ذلك، الناس لا يملكون المال، وهم حزينون وخائفون، وأحيانا يطلبون الشراء بما قيمته 3 شيكلات (أقل من دولار)، وهذا غير ممكن بسبب ارتفاع الأسعار، فأشفق عليهم”.
ويضيف للجزيرة نت أن الأطعمة التي يبيعها ويُقبل عليها الناس عادة برمضان “أصبحت كماليات لدى الناس، بسبب ضيق الحال والفقر الشديد”.

ولا يختلف حال إبراهيم حلِّس الذي يمتلك هو أيضا بسطة لبيع زينة رمضان وألعاب الأطفال عن سابقيه، ويقول إن الأطفال يأتون لمشاهدة الفوانيس ويتشوقون لشرائها لكنهم لا يملكون المال.
ويضيف للجزيرة نت “كان البيع أكبر والأجواء أجمل قبل الحرب، والآن الناس محبَطة والقليل من يشتري زينة رمضان أو الفوانيس لأطفاله”.
ويلفت إلى أن بضائعه قديمة، نظرا لمنع إسرائيل إدخال السلع إلى القطاع منذ بداية الحرب، ورغم ذلك يتابع حلِّس “فهي غالية وتضاعفت أسعارها بسبب الحرب”.

رغم الجرح
يقول المواطن غسان الشامي إن الظروف الصعبة التي تعيشها غزة ألقت بظلالها الكئيبة على المواطنين، وحرمتهم الاستمتاع بأجواء رمضان. ويضيف للجزيرة نت “الظروف صعبة جدا رغم وقف إطلاق النار بسبب الدمار الهائل بكل قطاع غزة، والناس تحاول تضميد جراحاتها ودفن الشهداء الذين ينتشلون من تحت الركام”.
ويردف الشامي بينما يشير إلى مخيم قريب للعائلات المدمرة منازلهم قائلا إن “الناس تعيش في خيام، ومنازلهم مدمرة، والأسعار باهظة، والمواصلات صعبة، ورمضان يأتي بظروف قاسية جدا”.
وعن وقف إسرائيل لإدخال المساعدات والتهديد باستئناف الحرب، يقول الشامي إن المواطنين يشعرون بالقلق والتوتر الشديدين، خاصة أن البضائع اختفت من الأسواق وارتفعت الأسعار.
ورغم ذلك يرى أن المواطنين “يتعالون على جراحهم، وهو ما يبدو عبر مظاهر الصبر والاحتمال والإقبال على المصليات التي أقيمت بديلا عن المساجد لأداء العبادة في رمضان”.

بالهاتف
وعبر دراجة هوائية وبسبب انقطاع الوقوع يتنقل المواطن هشام برزق من مكان إلى آخر. ويقول للجزيرة نت بعد أن ربط دراجته ببوابة مُصلى أبو خضرة وسط مدينة غزة ليؤدي صلاة الظهر “كنت أملك سيارة، لكني لم أعد قادرا على تشغيلها بسبب ارتفاع ثمن البنزين، فسعر اللتر ارتفع من أقل من دولارين إلى نحو 34 دولارا أميركيا”.
واتفق برزق مع سابقيه بأن الظروف الصعبة التي تمر بها غزة أفقدت السكان القدرة على الاستمتاع والشعور ببهجة رمضان. وأضاف “شهر رمضان هذه السنة تختلف الأجواء فيه عن السنوات السابقة، فنحن نعيش حرب إبادة شاملة، وفوجئنا بقطع المساعدات والتهديد بعودة الحرب، وهذا يؤثر على الوضع النفسي للمواطنين”.
وتابع “الناس لا مأوى لهم ولا مأكل ولا مشرب ولا حياة حقيقية، كان الله بعونهم”. ولم يستبعد برزق أن يصل الناس أرحامهم خلال رمضان عبر الاتصالات الهاتفية فقط، نظرا لصعوبة المواصلات وارتفاع تكلفتها.

المصليات بديل
ورغم غياب طقوس شهر رمضان عن أغلب مناحي الحياة، فإنها واضحة في إقبال السكان على المُصليات والمساجد المتبقية التي نجت من التدمير على يد قوات الاحتلال.
ويقول أبو أنس الجاروشة، إمام مسجد الأمين محمد بحي الرمال الجنوبي بغزة، إن أهل الحي سارعوا إلى إنشاء مُصلى بالقرب من أنقاض المسجد، وافتتح قبل شهر رمضان بأسبوع.
وأضاف للجزيرة نت “منَّ الله علينا بافتتاح المصلى على نفقة فاعل خير، لأن الناس اعتادت زيارة المساجد في رمضان للعبادة وتلاوة القرآن الكريم”. وذكر أن إقبال المصلين كبير للغاية، وأن المصلى لا يتسع للكل أثناء صلاة التراويح.
وبدوره، ذكر عبد الهادي الآغا وكيل وزارة الأوقاف بقطاع غزة أن قرابة 400 مصلى افتتحت لاستقبال شهر رمضان عوضا عن المساجد التي دمرها الاحتلال.
وقال للجزيرة نت إن الاحتلال دمَّر أكثر من 1100 مسجد خلال الحرب من أصل 1244، تُشكل قرابة 90% من مساجد القطاع.