القدس المحتلة – بعد أيام من اندلاع الحرب على قطاع غزة دخلت مستشفيات القطاع في حالة انهيار بسبب نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود جراء القصف الإسرائيلي المكثف، الذي خلّف حتى الآن نحو 23 ألف مصاب امتلأت بهم أقسام المستشفيات وممراتها، إضافة إلى استشهاد أكثر من 9 آلاف.

وتطلق وزارة الصحة في غزة كل يوم نداءات للتأكيد على أن ساعات تفصل المستشفيات عن توقف مولداتها الكهربائية الرئيسية بسبب نفاد الوقود، حتى إنها طلبت من الغزيين ممن يتوفر لديهم وقود تزويد المستشفيات فورا به لإنقاذ حياة الجرحى والمرضى.

وحول ما يعنيه نفاد الوقود وانقطاع الكهرباء عن المستشفيات، أجرت الجزيرة نت حوارا خاصا مع مدير مستشفى المقاصد في القدس عدنان فرهود، وهو المستشفى التحويلي الرئيسي الذي يستقبل جرحى غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها.

تحدث فرهود عن المأساة التي تمرّ بها مستشفيات القطاع من ناحية طبية، خاصة مع بدء الحديث عن اضطرار الأطباء لإجراء عمليات جراحية دون تخدير وفي الممرات وداخل أقسام الطوارئ، وعدم عثور الفرق الصحية على الخيوط الطبية اللازمة لـ”غرز” الجروح.

  • بداية، ماذا يعني نفاد الوقود من المستشفى؟

الوقود هو أكسجين المستشفى لأن نفاده يعني انقطاع الكهرباء التي تعمل بها كافة الأجهزة الطبية، ونحن لا نتحدث عن الأجهزة الخاصة بغسيل الكلى مثلا، بل عن أجهزة أبسط من ذلك بكثير يحتاجها الأطباء كل دقيقة ولا يمكن تشغيلها إلا بالكهرباء.

قد يستغني المستشفى عن بعض الأدوية لكن لا يمكنه الاستغناء عن الكهرباء، والخطورة تكمن في أنه إذا انقطعت الكهرباء، فإن كافة المرضى الموصولين بأجهزة التنفس الاصطناعي سيموتون خلال 3 دقائق فقط.

وفي مستشفى المقاصد في القدس يتم تشغيل المولدات الكهربائية الاحتياطية إذا انقطعت الكهرباء من 5 إلى 10 دقائق، وإذا لم تعمل المولدات الاحتياطية، فإن مصير المرضى الحتمي هو الموت، ونحن نتحدث الآن عن انقطاع دائم للكهرباء في غزة والمولدات الاحتياطية تعمل منذ وقت طويل.

مستشفى المقاصد في القدس يزدحم بالمرضى
  • تحدثت وزارة الصحة في غزة عن نقص شديد في أنابيب الأكسجين بالمستشفيات، أيُّ المرضى يحتاجون هذه الأنابيب؟ وما خطورة نفادها؟

كافة المرضى الذين يُعالجون في أقسام العناية المكثفة يحتاجون للأكسجين، خاصة بعد خروجهم من العمليات الجراحية، كما يحتاجه الأطفال حديثو الولادة من “الخُدّج” وهؤلاء يفقدون حياتهم خلال دقائق معدودة من دونه.

ومع التطور باتت المستشفيات تملك خزانات احتياطية للأكسجين، ولا يقتصر مخزونها على الأنابيب الصغيرة، لكن استخراج الغاز منها يحتاج إلى الكهرباء، وهي مفقودة في غزة الآن.

  • ماذا عن الخيوط الطبية التي نفدت من بعض المستشفيات، حيث المشقة في توفير بعضها لغرز جروح الجرحى؟

هناك عدة أنواع من الخيوط وأبرزها الداخلية التي يستخدمها الأطباء للجروح العميقة بعد فتح البطن أو الصدر أو عضو آخر في الجسم، وتتميز هذه الخيوط بأنها تذوب بعد مدة لأنه لا يمكن للأطباء إعادة فتح الجرح العميق لإزالة الخيوط.

فقدان هذه الخيوط يعد كارثة حقيقية لأنها لا تستبدل بالخيوط الخارجية التي يستخدمها الأطباء للجروح السطحية والتي تُزال يدويا بعد مدة، وبالتالي يجب أن تتوفر منها كميات كبيرة في مستودعات مستشفيات غزة الآن في ظل وجود جروح عميقة.

فقدان هذه الخيوط من المستشفيات يعني فقدان الجرحى حياتهم لأنهم أمام خيارين إما النزف حتى الموت، وإما إبقاء الجروح السطحية دون خياطة، مما يؤدي إلى حدوث التهابات تُسبب مشكلات صحية عميقة قد تُفقد المريض حياته على المدى البعيد أيضا.

  • ماذا تحتاج أقسام الطوارئ في هذه المرحلة؟

تحتاج إلى أجهزة وإمكانيات ضخمة، بالإضافة إلى فرق متخصصة تعمل على مدار 24 ساعة بكفاءة عالية.

ولا يقتصر تخصص الطوارئ على الأطباء فقط، بل يشمل الممرضين المدربين على التعامل مع الحالات المختلفة التي تصل لهذا القسم.

وفي ظل حالة الحرب الآن فإننا نلاحظ حالة من النقص والعجز في مستشفيات غزة، لأن الطبيب والممرض يُنهكان بشكل كبير إذا عملا ليومين متتاليين، ونحن نتحدث الآن عن قرابة شهر لحالة طوارئ غير عادية بالمستشفيات.

  • في ظل الحالة الطبية المعقدة، أعلنت مستشفيات بغزة أنها اضطرت لإجراء عمليات جراحية داخل أقسام الطوارئ، ما خطورة ذلك؟

الخطورة تكمن في أن هذا القسم هو بيئة حاضنة للبكتيريا والجراثيم، وبالتالي فإن إجراء العمليات الجراحية فيه يعرض الجريح أو المريض لخطر الالتهابات.

غرف العمليات معقمة بشكل عميق، والأطباء والممرضون والمساعدون لا يدخلونها إلى بعد استعدادات وخطوات تعقيم خاصة، وبالتالي إذا كان هناك أمل بأن يعيش الجريح بنسبة 50% بعد العملية فإن هذه النسبة ستتبدد لأنه سيفقد حياته بسبب الالتهابات.

  • ماذا عن إجراء العمليات الجراحية دون تخدير، وهي الخطوة التي أعلنت مستشفيات غزة أنها اضطرت لاتخاذها أيضا؟

هذه مصيبة.. أنا أخصائي تخدير، وهذا التخصص جعل الطب يتطور بشكل نوعي في كل العالم لأنه باختصار نعمة للمريض.

ومن دون التخدير نحن نعود إلى العصر الحجري عندما أقدم شخص على فتح بطن امرأة لإخراج جنينها في عملية قيصرية دون تخدير فماتت المرأة على الفور.

نحن نحرص على ألا يتألم المريض في أول 24 ساعة بعد العملية الجراحية، ونزوده بالمسكنات بعدها للتخفيف عنه، لأن مهمتنا أن نزيل الألم عن الناس، لذلك لا يمكنني تصور ذلك بتاتا.

  • بحكم خبرتكم في التعامل مع جرحى غزة، صف لنا حالات الجرحى التي تصل مستشفى المقاصد بُعيد كل حرب؟

الحالات التي تصلنا هي المركبة والمعقدة والتي تحتاج إلى عناية مكثفة وإلى تدخل عدة تخصصات في آن واحد، أبرزها الجراحة العامة وجراحة العظام وجراحة الأعصاب والأوعية الدموية.

عظام الجرحى تكون مفتتة، والإصابات في المخ والرأس تكون بالغة الخطورة، ونحتاج إلى إجراء سلسلة من العمليات الجراحية لكل جريح، وبعضهم نصل معه إلى حالة الاستقرار بعد عام كامل تُجرى خلاله 7 عمليات جراحية في التخصص ذاته.

  • هل بدأت مستشفيات القدس تستعد لاستقبال دفعة من الجرحى بُعيد انقضاء الحرب؟

عقدت شبكة مستشفيات القدس الشرقية، وهي 6 مستشفيات، اجتماعا لترتيب استعداداتها لاستقبال الجرحى، ونحن نعي أن رحلة علاجهم ستكون طويلة وستُشغل أسرّة المستشفيات لمدة عامين بمجرد وصولهم.

نقل الجرحى إلى المستشفيات الفلسطينية سيكون طوق نجاة لهم، لأن نقلهم بسيارات الإسعاف إلى معبر رفح ومن هناك إلى مصر أو دول أخرى يستغرق ساعات طويلة وقد يفقدهم حياتهم، لأن معظم من يخرج من القطاع للعلاج تصنف حالته بالخطيرة عادة.

وعلى صعيد مستشفى المقاصد، لدينا خبرة طويلة في التعامل مع جرحى الحروب، ونحن مستعدون لتفريغ المستشفى بالكامل لاستقبالهم، ولدينا 270 سريرا منها 88 سرير عناية مكثفة سنفرغها لهؤلاء الجرحى بمجرد الإعلان عن إمكانية خروجهم من غزة.

  • ماذا عن تعاملكم مع المواجهات التي تندلع بشكل شبه يومي في القدس منذ اندلاع الحرب؟

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن المستشفى حالة الطوارئ، واستقبل الكثير من الحالات خاصة أيام الجمع التي تندلع فيها المواجهات في عدة أحياء بالقدس.

مستشفى المقاصد هو الوجهة الأولى في القدس لكافة الجرحى الذين يصلون مع اندلاع كل هبّة شعبية وانتفاضة وحرب.

  • ختاما، ما الرسالة التي توجهها إلى العالم بصفتك طبيبا يشاهد هذا الكم الهائل من المصابين يوميا؟

رسالتي أوجهها للمسؤولين والحكام في كل العالم، وأقول لهم إننا نقضي سنوات طويلة في إعداد بحوث وإجراء تجارب لإنقاذ أرواح البشر التي تُزهق ببساطة في الحروب.

ماذا لو وجهتم مئات مليارات الدولارات التي تنفق على الحروب لإجراء مزيد من الأبحاث والخروج باكتشافات طبية جديدة لإنقاذ البشرية، وهبنا الله العقول لنبني بها ونزدهر ونُعمّر لا لندمر.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.