بيروت- في خضم المشهد السياسي المتشابك بلبنان، أثارت تصريحات نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس جدلا واسعا في الأوساط اللبنانية، عقب لقائها رئيس الجمهورية جوزيف عون في قصر بعبدا.
فقد اعتبرت أورتاغوس أن حزب الله “هُزم عسكريا وانتهى عهد ترهيبه في لبنان والعالم”. وهو تصريح غير مسبوق في حدته، أثار ردود فعل متباينة على المستويين الرسمي والسياسي.
وأوضحت أورتاغوس أن واشنطن تسعى لضمان عدم مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية المرتقبة التي يعمل الرئيس المكلّف نواف سلام على تشكيلها، مشددة على ضرورة أن “يبقى الحزب منزوع السلاح”، بما يتماشى مع الرؤية الأميركية للوضع في لبنان والمنطقة.
“تدخل وتطاول”
وعلى وقع هذه التصريحات، سارع مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية إلى إصدار بيان توضيحي شدّد فيه على أن “بعض ما صدر عن نائبة المبعوث الأميركي من قصر بعبدا يعكس وجهة نظرها الخاصة، والرئاسة غير معنية به”، في محاولة لاحتواء التداعيات المحتملة لهذا الموقف الأميركي الصارم.
من جهته، اعتبر رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، أن تصريحات أورتاغوس تشكل “تدخلا سافرا في السيادة اللبنانية وخروجا عن كل اللياقات الدبلوماسية ومقتضيات العلاقات الدولية”، معتبرًا أنها “تطاول على مكوّن وطني أساسي يشكّل جزءا من التوازن الوطني والحياة السياسية اللبنانية”.
وفيما يخص تشكيل الحكومة الجديدة الذي يشهد محطات متباينة بين التقدم والتعثر، فقد اجتمع رئيس الجمهورية جوزيف عون، أمس الخميس، في قصر بعبدا مع الرئيس المكلف نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بحضور الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية.
ورغم الحديث عن أجواء إيجابية أحاطت بالاجتماع فإن مغادرة سلام وبري دون الإدلاء بأي تصريحات، أعادت التأكيد على العقبات المستمرة التي تحول دون إتمام عملية التأليف، مما يعمّق حالة الغموض حول مستقبل المشهد الحكومي في لبنان.
![U.S. Deputy Special envoy for the Middle East Morgan Ortagus meets with Lebanese President Joseph Aoun at the presidential palace in Baabda, Lebanon, in this handout image released on February 7, 2025. Lebanese Presidency Press Office/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.](https://saudiakhbar.com/wp-content/uploads/2025/02/Morgan-Ortagus5-1738959294.jpg)
تصريحات حادة
وفي تعليقه على تصريحات أورتاغوس، قال المحلل السياسي علي حيدر، للجزيرة نت، إن هذه التصريحات تمثل محاولة لاستغلال المتغيرات الإقليمية على المستويين الداخلي والخارجي في لبنان.
وأضاف أن الأميركيين يدركون جيدا أن حزب الله ليس فقط قوة عسكرية، بل هو أيضا قوة سياسية وشعبية كبيرة في لبنان، ويستند في حصانته على شعبيته وحضوره القوي في المعادلة الداخلية.
وأشار حيدر إلى أن الأميركيين يسعون لاستكمال ما بدأه الإسرائيليون في إضعاف حزب الله، بهدف فرض الشروط عليه، خاصة فيما يتعلق بإقصائه من المعادلة السياسية الداخلية، وأوضح أن المدخل لذلك يكمن في إخراج الحزب من الحكومة، مما يعزز سلطة سياسية معادية للمقاومة.
وأكد حيدر أن هذا التصعيد يعكس الموقف الأميركي في عهد الرئيس ترامب ضد المقاومة في لبنان، مشيرا إلى أن البلاد تتجه نحو انقسام حاد حول الموقف من الهيمنة الأميركية والتهديدات الإسرائيلية.
ولفت إلى أن هذا لا يعني بالضرورة أن الأمور ستكون سهلة أمام الأميركيين، حيث تساءل عن كيفية ترجمة المسؤولين اللبنانيين للمطالب التي أملتها المبعوثة الأميركية، وهل سيقومون بتطبيقها حرفيا، أم سيبحثون عن طرق لتجنب أزمة عميقة في الداخل اللبناني.
من قصر بعبدا، وبعد لقائي فخامة رئيس الجمهورية، أودّ أن أصارح اللبنانيات واللبنانيين:
أسمعكم جيدًا. مطالبكم وتطلعاتكم هي بوصلتي.
أطمئنكم أنني أعمل على تأليف حكومة تكون على درجة عالية من الانسجام بين أعضائها، وملتزمة بمبدأ التضامن الوزاري. وهذا الأمر ينسحب على كل الوزراء دون… pic.twitter.com/rFtqryJc09
— Nawaf Salam نواف سلام (@nawafasalam) February 5, 2025
مفاوضات معقدة
من جانبه، أكد المحلل السياسي نقولا ناصيف، في حديثه للجزيرة نت، أن التصريحات الأخيرة تشكل ضغطا إضافيا على عملية تأليف الحكومة، حيث يدخل العامل الدولي ليعيق تشكيلها ويزيد من صعوبة المهمة، إضافة إلى العقبات الداخلية التي تواجهها.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “الثنائي الشيعي يسعى لإظهار نفسه وكأنه لم يخسر، وأنه يملك حقًا كاملا بتمثيله 27 نائبا، وبالتالي يرى أنه يجب أن يحصل على الحصة الشيعية كاملة (أي 5 مقاعد)، كما يريد أن يظهر وكأن الأمور لم تتغير بعد الحرب الإسرائيلية، ويطمح في الحفاظ على مكانته المعنوية في السلطة، سواء عبر حصوله على وزارة المال أو من خلال الحصول على المقاعد الخمسة”.
وأوضح ناصيف أن الرئيس المكلف وافق على وزير المال، لكنه لم يوافق على تخصيص المقاعد الخمسة، أما اليوم فقد دخل العامل الأميركي في المعادلة.
ويشير ناصيف إلى أن التصريحات القوية والصريحة التي وُجهت إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تفيد بأن الولايات المتحدة ترفض تشكيل حكومة تضم حزب الله، وترفض منحه حصة صغيرة في الحكومة اللبنانية الجديدة.
وفي ختام حديثه، يلفت ناصيف إلى أن المشكلة تكمن الآن في كيفية توفيق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بين نقطتين متناقضتين لا يمكن أن تتوافقا:
- من جهة، الأمريكيون يقولون إنه لا يمكن لحزب الله أن يكون جزءا من الحكومة.
- ومن جهة أخرى، الثنائي الشيعي يصر على المشاركة الكاملة في الحكومة.
حسابات الحكومة
فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، يرى المحلل إبراهيم حيدر، أن تصريحات مورغان أورتاغوس تؤكد الموقف الأميركي الرافض لمشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية المقبلة، وهو ما ينسجم مع الموقف الإسرائيلي، ويضيف حيدر أن هذه الضغوط ترتبط ارتباطا وثيقا بالوضع في الجنوب اللبناني.
ويشير إلى أن التطورات في الجنوب تؤثر بشكل كبير على عملية تشكيل الحكومة، إذ يبدو واضحا أن هذه العملية تخضع للضغوط الناجمة عن ملف الجنوب، فإسرائيل قد ترفض الانسحاب إذا مُنح حزب الله حقائب وزارية، في الوقت الذي تتهم فيه الجيش اللبناني بالتساهل مع الحزب، مما يعزز مبررات استمرار الاحتلال بحجة عدم مصادرة مخازن سلاحه. في المقابل يسعى حزب الله إلى إثبات استمراره كفاعل رئيسي في جنوب الليطاني.
ورغم هذه التعقيدات، يرى حيدر أن تشكيل الحكومة اللبنانية لا يزال ممكنا، ويشير إلى أن الرئيس المكلّف نواف سلام يهدف إلى تشكيل حكومة تتمتع بقدر من الاستقلالية عن الضغوط السياسية، مع التأكيد على ضرورة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وضمان عدم بقاء أي منطقة محتلة بعد 18 فبراير/شباط الجاري.