وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 6 سبتمبر/أيلول 2025 أمرا تنفيذيا بتسمية وزارة الدفاع بـ”وزارة الحرب” مما أثار عاصفة من الجدل، بما يمثله من عودة رمزية إلى التسمية التي كانت سائدة حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

يعكس الاسم الجديد، بمعناه الصريح والمجرد عودة إلى منطق القوة الصلبة كأداة مركزية للسياسة الخارجية، ويشير إلى أن واشنطن لم تعد تكتفي بلغة الردع أو الدفاع، بل تسعى إلى فرض معادلات جديدة بقوة السلاح والدبلوماسية الحازمة.

يغوص هذا التقرير في رمزية تغيير الاسم من “الدفاع” إلى “الحرب” وما تحمله من دلالات تاريخية وسياسية، ويجيب عن سؤال هل هو مجرد تغيير شكلي، أو أنه يمثل إعادة تموضع جيوسياسي؟ وما انعكاسات هذه العقيدة الجديدة على الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط.

رمزية تغيير الاسم من الدفاع إلى الهجوم

قرار ترامب بإعادة تسمية وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب” يحمل دلالات تاريخية وسياسية عميقة. فالتسمية الأصلية كانت مستخدمة حتى عام 1947، حين تم تغييرها في سياق إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية.

واليوم، يعيد ترامب هذه التسمية في لحظة عالمية تتسم بتصاعد التوترات، وكأن واشنطن تعلن عودتها إلى منطق القوة الصلبة كأداة مركزية في سياستها الخارجية.

فقد صرّح الرئيس الأميركي للصحفيين بعد توقيعه للمرسوم التنفيذي بأن الاسم الجديد “أكثر ملاءمة في ضوء وضع العالم راهنا”، مضيفا أنه “يبعث رسالة النصر” إلى العالم.

وتكشف هذه التصريحات عن تحول في اللغة السياسية الأميركية، من لغة الدفاع إلى لغة الانتصار، ومن منطق الردع إلى منطق المبادرة الهجومية.

ولا يمكن لترامب أن يغير رسميا تسمية الوزارة من دون موافقة الكونغرس، لكن الأمر التنفيذي يسمح باستخدام التسمية الجديدة كاسم ثان لوزارة الدفاع.

لم يكتفِ الأمر التنفيذي بتغيير الاسم، بل نص أيضا على اعتماد لقب “وزير الحرب” إلى جانب “وزير الدفاع”.

وقال وزير الدفاع بيت هيغسيث، الذي كان حاضرا توقيع الأمر التنفيذي، وقد كلفه ترامب بإحداث تحول جذري في الوزارة، إن التغيير “لا يقتصر على التسمية، بل يتعلق باستعادة روح المحارب”.

ورحب هيغسيث، وهو مذيع سابق في قناة “فوكس نيوز”، بتغيير اسم الوزارة، ونشر مقطع فيديو للوحة جديدة تحمل اسم “وزير الحرب” مثبتة على باب مكتبه في مبنى الوزارة البنتاغون.

ويضفي إدراج هذه الألقاب في الوثائق الرسمية شرعية مؤسساتية على التحول في العقيدة العسكرية، ويؤسس لمرحلة جديدة من التفاعل بين السلطة التنفيذية والجيش، حيث تصبح “الحرب” ليس مجرد خيار بل هوية.

وبهذا المعنى، فإن إعادة التسمية ليست قرارا إداريا فقط، بل هي إعلان عن توجه إستراتيجي جديد يعيد تعريف العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم من خلال عدسة الصراع لا التفاهم.

انعكاسات العقيدة الجديدة على الشرق الأوسط

مع إعلان واشنطن عن تغيير اسم وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب”، كانت ملامح العقيدة العسكرية الجديدة قد بدأت تتجلى ميدانيا، خصوصا في الشرق الأوسط.

فقد وجّهت الإدارة الأميركية سابقا بنشر “قدرات إضافية” في منطقة مسؤولية القيادة المركزية، في خطوة اعتُبرت بمثابة تعزيز مباشر للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وسط تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل وتنامي التهديدات العابرة للحدود.

وبرر الوزير هيغسيث هذا النشر بأنه يهدف إلى “تعزيز وضعنا الدفاعي في المنطقة”، إلا أن هذا التبرير يحمل في طياته رسالة ردعية واضحة تتجاوز حدود الدفاع. إذ يكشف هذا التصريح تعزيز فكرة التحوّل في العقيدة العسكرية من الدفاع السلبي إلى الردع الهجومي.

وباتت واشنطن ترى في الوجود العسكري المكثف وسيلة لفرض الاستقرار عبر القوة، لا عبر الوساطات أو التفاوض، وتعيد هذه الإستراتيجية الجديدة تشكيل ميزان القوى في المنطقة، وتلقي بثقل عسكري مباشر في وجه القوى الإقليمية التي تسعى لتوسيع نفوذها.

موقع فوردو النووي في إيران

جدوى التغيير

يطرح الواقع تساؤلات جدية حول جدوى العقيدة الجديدة في ظل تعقيدات الواقع الإقليمي وتحديات الردع في عالم متعدد الأقطاب.

فقد كانت الولايات المتحدة نفذت في سياق التصعيد ضربات عسكرية استهدفت 3 منشآت نووية إيرانية، في محاولة لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.

وكان هذا التحرك، الذي يندرج ضمن عقيدة “الحرب الاستباقية” يهدف إلى إرسال رسالة ردع قوية إلى طهران، إلا أن تقييمات أولية للمخابرات الأميركية أشارت إلى أن هذه الضربات “لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، بل عطّلته لأشهر”.

ويسلط هذا التقييم الضوء على محدودية فعالية القوة العسكرية في تحقيق أهداف إستراتيجية طويلة الأمد.

فالضربات المحدودة، وإن كانت تظهر استعدادا لاستخدام القوة، قد لا تكون كافية لتغيير مسار برنامج نووي متجذر، بل قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب.

الأسطول الخامس الأميركي: أكثر من 3000 بحار وجندي وصلوا للشرق الأوسط أمس ضمن خطة أعلنها البنتاغون من حساب القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية / الولايات المتحدة الأمريكية. الأسطول الخامس على اكس (تويتر)

السلام عبر القوة.. عقيدة الردع الجديدة

في تفسير رسمي لقرار تغيير اسم وزارة الدفاع، أشار البيت الأبيض إلى أن الهدف هو “فرض السلام من خلال القوة”. هذه العبارة التي جاءت في تصريح رسمي تختزل العقيدة الجديدة التي تتبناها واشنطن في العالم وبالتالي في الشرق الأوسط.

لم تعد الولايات المتحدة تسعى إلى التهدئة عبر الوساطات أو التحالفات التقليدية، بل باتت تعتمد على استعراض القوة العسكرية كوسيلة لإعادة فرض هيبتها الدولية، خصوصا في منطقة تتنافس فيها قوى إقليمية ودولية على النفوذ.

في قلب هذا التحول، تبرز موازنة وزارة الحرب الجديدة التي تجاوزت التريليون دولار، ما أثار جدلا واسعا داخل الكونغرس الأميركي. فبين من يرى فيها موازنة “سلام” تهدف إلى الردع، ومن يعتبرها موازنة “حرب” غير مبررة، تتصاعد التساؤلات حول جدوى هذا الإنفاق الهائل في ظل غياب حرب شاملة.

ويعكس هذا الجدل انقساما داخليا حول أولويات واشنطن، بين من يدفع نحو الهيمنة العسكرية، ومن يطالب بإعادة النظر في الإستراتيجية، كما يشير هذا الإنفاق الضخم إلى أن تغيير الاسم جزء من مشروع مكلف يستدعي استثمارات هائلة في الأسلحة، والتقنيات العسكرية، وتعزيز الوجود العسكري.

لم يكن تغيير الاسم مجرد خطوة رمزية، بل ترتّب عليه تبعات مالية ضخمة، فقد قدّرت صحيفة بوليتيكو، في تقرير لها في 6 سبتمبر/أيلول 2025، أن تكلفة تعديل اللوائح، وطباعة الوثائق الرسمية، وتحديث اللوحات الحكومية قد تصل إلى مليارات الدولارات.

هذه الكلفة المادية المباشرة، بالإضافة إلى الكلفة الجيوسياسية المتمثلة في خطر التصعيد، تؤكد أن التغيير ليس مجرد إعادة تسمية بسيطة، بل هو قرار إستراتيجي شامل له أبعاد مالية وسياسية عميقة.

في ظل تعقيدات الواقع الإقليمي، وتحديات التوازن الدولي، وتكلفة الهيمنة، ثمة من يرى في الإستراتيجية الجديدة عودة إلى منطق القوة، ومن يعتبرها انزلاقا نحو عسكرة السياسة، ويبقى الشرق الأوسط ساحة اختبار حقيقية لهذه العقيدة الجديدة، التي قد تعيد تشكيل ملامح النفوذ الأميركي لعقود مقبلة.

شاركها.
اترك تعليقاً