كان على العالم أن يتوقف مليًا أمام نص وثيقة شرم الشيخ، لا بوصفها بيانًا دبلوماسيًا عابرًا، بل باعتبارها إعلانَ إرادةٍ جديدة في هندسة السلام الشرق أوسطي، إرادة تشكلت في زمنٍ تتقاطع فيه المصالح وتتعقد فيه الملفات، غير أن سطورها الثلاث كانت كافية لتضع ملامح مرحلة عنوانها: السلام المستدام، والرؤية الشاملة، والازدهار الإقليمي المشترك.

عمل سياسي سعودي طويل النفس

لكن خلف هذا النص الموجز، كان هناك عمل سياسي سعودي طويل النفس، تقوده وزارة الخارجية برؤيةٍ متزنة، وإيقاعٍ متقدم فرض احترامه على العواصم الكبرى. فبينما انشغلت الخطابات العالمية بتوصيف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كانت الرياض تنسج بهدوء شبكة توازنات دقيقة، تحافظ على موقعها كقوة إقليمية عاقلة، وفي الوقت ذاته تنحاز إلى الضمير العربي في نصرة غزة وفلسطين.

في كل محطة من عواصم العالم، من نيويورك إلى بروكسل، ومن القاهرة إلى بكين، حمل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان رسالة لا لبس فيها: السلام لا يُبنى بالدم، ولا يُحفظ بالاحتلال، كانت تحركاته تجسيدًا لدبلوماسية تمارس الفعل لا القول، وتحوّل المبادئ إلى مسارات سياسية واضحة تؤكد أن المملكة لا تتعامل مع فلسطين كقضية موسمية، بل كقضية تأسيسية في وجدانها السياسي والإنساني.

صوت المملكة حاضرًا

لقد ربطت السعودية مصالحها الاقتصادية ومشاريعها التنموية الكبرى بمسؤولية أخلاقية أعمق، تربط الاستقرار بالعدالة، والتنمية بالكرامة الإنسانية. لذلك، حين وقّعت الدول على وثيقة شرم الشيخ، كان صوت المملكة حاضرًا في خلفية كل بند، لأنها أعادت للسلام لغته المنصفة، وللدبلوماسية معناها الأخلاقي.

من يقرأ الوثيقة اليوم يدرك أن الشرق الأوسط الجديد يُعاد رسمه من الرياض، حيث تتقاطع المشاريع الكبرى مع المواقف الثابتة، وتتلاقى القوة مع الاعتدال، لتؤكد أن القيادة السعودية لا تكتفي بالمشاهدة، بل تصنع المشهد نفسه.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً