في ظل التصاعد الإقليمي والتهديدات المتزايدة من إسرائيل، تتركز الأحاديث في لبنان حول قضية حساسة ومصيرية: نزع سلاح حزب الله. هذا الموضوع يثير جدلاً واسعاً، وتقاطعات سياسية معقدة، ويتأثر بشكل مباشر بالتطورات العسكرية والجيوسياسية المحيطة. تصريحات وزير العدل اللبناني، عادل نصار، الأخيرة، والتي أكد فيها أن سلاح الحزب ليس رادعًا أمام الاعتداءات الإسرائيلية، وأن المواجهة الحالية غير متكافئة، أثارت ردود فعل واسعة النطاق، وتستحق تحليلًا معمقًا. تم نشر هذه المقالة في 20/12/2025، مع آخر تحديث في 21/12/2025 الساعة 07:06 (توقيت مكة).
تصريحات وزير العدل والجدل الدائر
أكد الوزير نصار، خلال استضافته في برنامج “المسائية” على قناة الجزيرة مباشر، أن مسألة عدم قدرة السلاح على الردع ليست مجرد رأي شخصي، بل هي اعتراف صادر عن حزب الله نفسه، الذي أقر بوجود اختلال في موازين القوى مع الجيش الإسرائيلي. وأضاف أن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ونزع سلاح حزب الله يشكلان شرطًا أساسيًا لبناء الدولة وتعزيز قدرتها على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ليس استجابة لأي ضغوط خارجية، بل لحماية السيادة اللبنانية وتعزيز مكانتها في المحافل الدولية.
هذه التصريحات تأتي في سياق تصاعد التهديدات الإسرائيلية بشن حرب جديدة على لبنان، وهو ما نقلته صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤول إسرائيلي. وربط المسؤول الإسرائيلي إمكانية التصعيد بعجز الحكومة اللبنانية عن تحقيق تقدم في ملف نزع سلاح الحزب، رغم المهلة التي منحتها الولايات المتحدة للجيش اللبناني.
المنطلقات الداخلية لملف نزع السلاح
يرى الوزير نصار أن مقاربة موضوع السلاح يجب أن تنطلق من الداخل اللبناني، لا من خارجه. ويشير إلى وجود قرار داخلي بالفعل بنزع السلاح وحصره بيد الدولة، كشرط أساسي لتعزيز الاستقرار الداخلي وبناء الدولة القوية القادرة على حماية أرضها ومياهها. ويتأكد هذا الموقف من خلال الإشارة إلى البيان الوزاري للحكومة الذي نالت على أساسه ثقة مجلس النواب، والذي يؤكد بشكل قاطع على حصرية السلاح للسلطات الرسمية، وهو ما وافق عليه الوزراء والنواب على حد سواء، بمن فيهم ممثلو حزب الله.
وبالتالي، فإن الحديث عن حصرية السلاح لا يمثل تنازلاً ولا خدمة لإسرائيل، بل هو مصلحة وطنية لبنانية خالصة، تهدف إلى تقوية الدولة ومؤسساتها. ويستند هذا الطرح إلى قناعة مفادها أن وجود سلاح خارج إطار الدولة يضعف السيادة، ويحد من القدرة على التفاوض والدفاع عن الحقوق المشروعة.
هل الدبلوماسية ممكنة بدون سيادة كاملة؟
يؤكد الوزير نصار أن الاعتداءات الإسرائيلية مدانة ومرفوضة، لكنه يشدد في الوقت نفسه على أن التفاوض والمواجهة الدبلوماسية يفقدان الكثير من فعاليتهما إذا لم تمتلك الدولة كل عناصر السيادة. فالدولة التي لا تسيطر على أراضيها بشكل كامل، وغير قادرة على حماية مواطنيها وحدودها، تجد نفسها في موقف ضعف عند التعامل مع الأطراف الخارجية.
وإذ يؤكد أن إعطاء الدولة اللبنانية القرار الحصري في مسألة السلاح هو المدخل الصحيح لتعزيز موقعها التفاوضي، يقول: “عندما يكون الإسرائيلي أقوى عسكريًا، لا يجوز أن ننجر إلى ملعبه، بل يجب أن نجره إلى ملعبنا، أي المحافل الدولية والقنوات الدبلوماسية.” وعليه، فإن بناء الدولة القوية هو السبيل الأمثل لمواجهة إسرائيل، وليس الاستمرار في دائرة الصراع التي لا تحقق الرضى ولا تحمي المصالح الوطنية.
الربط بين نزع السلاح والتزامات إسرائيل: مقاربة خاطئة
يرفض الوزير نصار الربط بين تسليم السلاح اللبناني وتنفيذ إسرائيل لالتزاماتها في اتفاق وقف إطلاق النار. ويعتبر أن هذا الربط يمثل “مقاربة غير سليمة”، موضحًا أن بناء الدولة هو الهدف الأساسي، وأن دولة قوية قادرة على حماية مواطنيها وكرامتها. ويتساءل: “مَن قال إن لإسرائيل مصلحة في بناء الدولة اللبنانية؟ على العكس، بناء الدولة اللبنانية يحد من قدرتها على الاعتداء.”
ويؤكد أن الدولة اللبنانية يجب أن تكون “حاضنة للجميع”، وأن تسليم السلاح سيعطي الجيش والدولة القدرة على مواجهة إسرائيل في المسار الذي يناسب لبنان، وليس في المسار العسكري الذي يخدم مصالح إسرائيل. ومن هذا المنطلق، فإن مسألة الأمن القومي اللبناني مرتبطة بشكل وثيق بمسألة حصرية السلاح للدولة.
لا مواجهة داخلية وشبه تطبيع مرفوض
وفي رد على المخاوف من إمكانية حدوث مواجهة بين الجيش اللبناني وحزب الله، يستبعد الوزير نصار هذا السيناريو بشكل قاطع، مؤكداً أن “لا يمكن تصور لحظة أن يضع أي فريق لبناني نفسه في مواجهة مع الجيش اللبناني”. ويشير إلى أن الجيش ينفذ قرارًا سياسيًا اتخذته الحكومة، ويؤدي مهامه في جنوب نهر الليطاني، وسينتقل إلى شماله.
وفيما يتعلق بالاجتماعات الجارية في الناقورة، يميّز الوزير نصار بين “وقف حالة الحرب ومنع جر لبنان إلى حروب جديدة” وهو أمر لا يجوز لأي طرف لبناني أن يعارضه، وبين موضوع التطبيع الذي وصفه بأنه “مسألة وجدانية وطنية” تتطلب توافقاً لبنانياً واسعاً. ويختم الوزير التأكيد على أن المسار العسكري فشل، وأن الاستقرار السياسي في لبنان يتطلب بناء دولة قوية قادرة على حماية مصالحها عبر الدبلوماسية والحوار.















