مثل مولود جديد لم يشب عن الطوق، كان علماء الفلك بجامعة موناش الأسترالية على موعد مع رصد 5 كواكب خارج نظامنا الشمسي في مراحل تكونها الأولى، وتكمن القيمة الكبرى لهذا الاكتشاف، لا في كونه يضيف جديدا إلى معرفتنا المحدودة بالكون فحسب، بل لأنه يؤسس أيضا لطريقة مبتكرة في اكتشاف الكواكب، لا تعتمد على ضوئها المباشر، بل على تأثيرها في البيئة المحيطة بها.
وعادة ما تحجب الكواكب الفتية عن أعين التلسكوبات بسبب الغبار والغاز الكثيفين اللذين يحيطان بالنجوم الوليدة، مما يجعل رؤيتها شبه مستحيلة، لكن فريق جامعة موناش، بقيادة الدكتور كريستوف بانتي، الأستاذ المشارك بالجامعة، ابتكر تقنية تصوير جديدة تسمح برصد الكواكب من التأثيرات التي تحدثها على بيئتها المحيطة، بدلا من محاولة رؤيتها مباشرة.
ويشرح بانتي الفكرة في بيان نشره موقع جامعة “موناش”: “إنه مثل محاولة رؤية سمكة من خلال تتبع التموجات التي تحدثها في الماء، وليس من خلال رؤيتها مباشرة”.
وأجري هذا الاكتشاف بواسطة تلسكوب “ألما” العملاق في تشيلي، وهو أحد أقوى التلسكوبات في العالم، ضمن مشروع ” إكسوألما”، الذي يساعد في سد الفجوة المعرفية حول المراحل الأولى لنشوء الكواكب، بما في ذلك كوكب الأرض نفسه.
ويقول الدكتور دانيال برايس، الأستاذ في جامعة موناش، والذي عمل جنبا إلى جنب مع بانتي، لتطوير هذه التقنية واكتشاف الكواكب: “معظم الكواكب التي تم اكتشافها حتى الآن، ويبلغ عددها أكثر من 5 آلاف، هي أنظمة ناضجة، بينما تساعد تقنيتنا الجديدة المستخدمة في مشروع “إكسوألما” على رصد المراحل الأولى لنشوء الكواكب، بالرغم من حجبها بواسطة الغاز والغبار”.
وتعتمد التقنية على تتبع انحراف حركة الغاز باستخدام التأثير الذي يعرف باسم “مفعول دوبلر”، والذي يعني أن الكوكب يغير اتجاه تدفق الغاز حوله، مما ينتج عنه تغيرات دقيقة في السرعة يمكن قياسها، كأنك “ترى السمكة من تموجات الماء”، كما شبهها بانتي.

فهم المزيد عن تكوين الأرض
والكواكب المكتشفة، التي تم الإعلان عنها في العدد الخاص من دورية “أستروفيزيكال جورنال ليترز”، الذي يوثق لنتائج مشروع ” إكسوألما “، لا يتجاوز عمرها بضعة ملايين من السنين، أي أصغر من عمر الأرض بألف مرة تقريبا.
ويظهر ذلك أن تشكلها قد يكون أسرع بكثير مما كنا نعتقد سابقا، ويساعد رصدها بواسطة التقنية الجديدة على فهم كيف تنشأ الكواكب وتتطور في مراحلها الأولى، وهو ما سيساعد على فهم المزيد عن تكوين الأرض.
ويوضح الباحثون أن “الكواكب المكتشفة تشبه الأرض عندما كانت في بدايات تكونها قبل أكثر من 4.5 مليارات سنة، وبرصدها يمكن للعلماء أن يروا كيف بدأت العملية التي أدت إلى ولادة الأرض”.
ولأن هذه الكواكب “الرضيعة” لا تزال تتكون، على خلاف معظم الكواكب المعروفة التي رصدها بعد أن أصبحت ناضجة، فإن دراستها ستكون مفيدة أيضا، في معرفة كيف يتجمع الغبار والغاز لتشكيل الكوكب، وكيف يتفاعل الكوكب مع قرص الغاز المحيط بالنجم، وما العوامل التي تُحدد ما إذا كان الكوكب سيكون صخريا مثل الأرض أو غازيا مثل المشتري.