عوالم السماء وأجرامها السحيقة قادرة دوما على إبهارنا، ليس فقط بأشكالها البديعة، ولكن بما تعطيه لنا كذلك من حكمة، فحينما نتعلم عن هذه المجرة التي تبتعد عنا تريليونات الكيلومترات، وهذا السديم الذي يبلغ عرضه عدة مجموعات شمسية كالتي نسكن فيها، فإننا نشعر بصغر حجم تجربتنا في هذا الكون، مما يكسبنا بعضا من الهدوء والرغبة في التأمل.

ولأن الصور الفلكية تمتلك القدرة على إدخالنا إلى تلك العوالم، فقد قررنا في القسم العلمي للجزيرة نت أن نقدم لك 10 من أفضل الصور الفلكية التي صدرت في عام 2024.

عام الشفق القطبي

خلال مايو/أيار الماضي انهمر شلال من عشرات الآلاف من الصور القادمة من كل مكان في قارة أوروبا تقريبا وكذلك كندا وأميركا وأستراليا، بعد وصول أثر عاصفة شمسية شديدة للأرض والتي كانت الأقوى منذ حوالي 20 سنة مضت، كانت الظاهرة واضحة لدرجة أنه لتصويرها لم يحتج الناس لكاميرات معقدة بل فقط هواتفهم العادية. ينتُج الشفق القطبي بسبب تفاعل الجسيمات المشحونة بالطاقة القادمة من الشمس مع الغلاف المغناطيسي للأرض.

وفي هذا السياق تأتي هذه الصورة، التي تظهر شفقا قطبيا بدرجات نادرة من اللونين الأحمر والوردي فوق نيوزيلندا، والتي التقطها المصور الفلكي لارين راي، ليسجل ذلك الحدث الذي أدهش الملايين حول العالم.

النجوم الوليدة

السحابة النجمية إن جي سي 604 في مجرة المثلث (ناسا)

تُظهر هذه الصورة البديعة التي التقطتها كاميرا الأشعة تحت الحمراء في مرصد جيمس ويب الفضائي منطقة تشكل النجوم المسماة “إن جي سي 604″، التي تقع من الأرض على مسافة 2.73 مليون سنة ضوئية، وفيها يظهر كيف تنحت الرياح الصادرة من النجوم الشابة الساطعة الساخنة تجاويف في الغاز والغبار المحيطين بها.

الرياح النجمية ظاهرة طبيعية، وهو اصطلاح يعبر عن جسيمات مشحونة بالطاقة تنطلق من النجوم، وتطلق شمسنا رياحا شبيهة، يصيب أثرها الأرض من حين لآخر، ولكن للأرض غلاف مغناطيسي يحميها.

تدل الخطوط البرتقالية الزاهية في هذه الصورة على وجود جزيئات كربونية تُعرف باسم الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات، بينما يشير اللون الأحمر العميق إلى الهيدروجين الجزيئي، هذا الغاز البارد يمثل حضانة لتنشئة النجوم الجديدة، التي تتغذى عليه حتى تصبح شابة يافعة. توفر هذه البيانات فرصة لعلماء الفلك لدراسة تركيز مرتفع من النجوم الضخمة جدا والصغيرة جدا في منطقة صغيرة نسبيا.

خليج ليس على الأرض

خليج قوس قزح من متحف جرينتش الملكي (جابور باليز)

خليج قوس قزح، هو منطقة على سطح القمر تقع على الحافة الشمالية الغربية لبحر الأمطار ، ويعتبر إحدى السمات الجيولوجية البارزة على القمر، حيث يتميز بمظهره الهلالي الجذاب.

تكوّنت تلك المنطقة  نتيجة تأثير اصطدام قديم في القشرة القمرية، أعقبه تدفق الحمم البركانية التي غطت المنطقة وخلقت سطحا أملس، ولذا يعتبر هذا الخليج منطقة مثالية لدراسة البراكين القمرية والأنشطة الجيولوجية القديمة، ويُنظر إليه كمنطقة محتملة لهبوط المركبات الفضائية المستقبلية بسبب تضاريسه المستوية نسبيًا.

ويمكن رؤية خليج قوس قزح باستخدام التلسكوبات أو المناظير، خصوصًا عندما تكون الإضاءة على سطحه جانبية، مما يجعل الجبال المحيطة تبرز بوضوح، وفي هذه الصورة التي التقطها المصور الفلكي جابور باليز، تظهر ظلال الجبال واضحة لافتة للانتباه.

مستعر أزرق

This NASA/ESA Hubble Space Telescope Picture of the Week features the galaxy LEDA 22057, which is located about 650 million light-years away in the constellation Gemini. Like the subject of last week’s Picture of the Week, LEDA 22057 is the site of a supernova explosion. This particular supernova, named SN 2024PI, was discovered by an automated survey in January 2024. The survey covers the entire northern half of the night sky every two days and has catalogued more than 10 000 supernovae. The supernova is visible in this image: located just down and to the right of the galactic nucleus, the pale blue dot of SN 2024PI stands out against the galaxy’s ghostly spiral arms. This image was taken about a month and a half after the supernova was discovered, so the supernova is seen here many times fainter than its maximum brilliance. SN 2024PI is classified as a Type Ia supernova. This type of supernova requires a remarkable object called a white dwarf, the crystallised core of a star with a mass less than about eight times the mass of the Sun. When a star of this size uses up the supply of hydrogen in its core, it balloons into a red giant, becoming cool, puffy and luminous. Over time, pulsations and stellar winds cause the star to shed its outer layers, leaving behind a white dwarf and a colourful planetary nebula. White dwarfs can have surface temperatures higher than 100 000 degrees and are extremely dense, packing roughly the mass of the Sun into a sphere the size of Earth.  While nearly all of the stars in the Milky Way will one day evolve into white dwarfs — this is the fate that awaits the Sun some five billion years in the future — not all of them will explode as Type Ia supernovae. For that to happen, the white dwarf must be a member of a binary star system. When a white dwarf syphons material from a stellar partner, the white dwarf can become too massive to support itself. The resulting burst of runaway nuclear fusion destroys the white dwarf in a supern

في أثناء مسح معتاد للسماء خلال مارس/آذار 2024، تمكن مرصد هابل الفضائي من التقاط هذه الصورة لمجرة سميت “ليدا 22057″، التي تقع على بعد حوالي 650 مليون سنة ضوئية في كوكبة التوأم، أثناء حدث عظيم اختبرته المجرة، وهو مستعر أعظم، يلمع في الصورة كنقطة زرقاء باهتة، أسفل نواة المجرة مباشرة وإلى اليمين منها، وتبرز على خلفية الأذرع الحلزونية الشبحية للمجرة.

يُصنف هذا المستعر الأعظم على أنه مستعر أعظم من النوع 1 إيه، ويتطلب هذا النوع من المستعرات الأعظمية وجود نجمين، أحدهما عملاق أحمر ضخم، والآخر قزم أبيض صغير، لكن هذا الصغير يملك من قوة الجاذبية ما يمكنه من سحب مادة النجم العملاق، ومع تراكمها على سطحه يتطور الأمر بشكل درامي ليصبح انفجارا من الضخامة بحيث يمكن أن يرى في المجرة كلها!

مذنب العام

Tonight C/2023 A3 Tsuchinshan–ATLAS made a brief but memorable appearance after sunset and before the full moon overpowered it, making it just barely naked eye visible. This is a composite image. Technical Lens: Samyang 135mm f2.0 Sky: 135mm, f2.8, ISO 100, 30 sec, tracked Foreground: 135mm f4, ISO 800, 10 secJim Vajda wikimedia

تسوتشينشان أطلس، المذنب الذي شغل غالبية هواة السماء ليلا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول هذا العام، كان واحدا من ألمع المذنبات التي مرت بنا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة وأنه كان من السهل أن تحدد مكانه بين كوكب الزهرة اللامع ونجم السماك الرامح.

هذا المذنب سيعود مرة أخرى ليقترب من الأرض بعد 80 ألف سنة، مما يعني أن من رآه، فقد رآه لآخر مرة في حياته، وهو شعور غريب حقا أن تقف في أرض نائية بعض الشيء، بعيدا عن إضاءة المدن، لتتأمل شيئا أنت واثق تماما أن تلك هي فرصتك الأخيرة لرصده، هنا تتعلم أن هذا العالم الواسع بالأعلى كبير جدا لدرجة أن أعمارنا نحن البشر لا تمثل إلا أقل من لحظة في دورته.

حزام المجرة

Tasman Gems © Tom Rae – Astronomy Photographer of the Year 2024 Skyscapes

إذا قررت أن تخرج في إحدى الليالي الصيفية لمنطقة نائية، بعيدة عن إضاءة المدن وازدحامها الذي يتسبب في ازدحام شبيه داخل النفس، يمكن لك أن تلاحظ سحابة دخانية خافتة تسير في السماء، ليست هذه السحابة إلا حزام المجرة، والذي يمثل بدوره تراكب أذرع مجرتنا درب التبانة بعضها فوق بعض.

ويتسابق المصورون الفلكيون عاما بعد عام، لالتقاط صور لحزام المجرة تظهر فيها ثنياته البديعه وسدمه المعتمة التي تظهر وكأنها فجوات بين النجوم.

وقد تمكن المصور الفلكي توم راي، من دمج صورته لحزام المجرة مع مشهد طبيعي بديع، إلى جانب ذلك تمكن من إظهار ما يسميه العلماء “حلقة برنارد” على يسار الصورة، والتي تلف كوكبة الجبار.

وتشكل الحلقة قوسًا واسعًا نصف دائري بطول 300 سنة ضوئية كاملة يغطي جزءًا كبيرًا من مركب سحابة الجبار الجزيئية، وقد سُميت على اسم عالم الفلك الأميركي إدوارد إيمرسون برنارد، الذي صورها لأول مرة في عام 1894.

الرامي أ* مرة أخرى

هذه الصورة الجديدة للثقب الأسود بثلاث ترددات مختلفة تعطي تفاصيل أدق للعلماء (مرصد أفق الحدث)

في أغسطس/آب الماضي، أجرى مشروع مرصد أفق الحدث أرصادا جديدة حققت أعلى دقة حصل عليها العلماء على الإطلاق في تصوير الثقوب السوداء، وذلك من خلال رصد الضوء الصادر من مراكز المجرات البعيدة بتردد حوالي 345 غيغاهرتزا.

وبعيدا عن التعقيدات التقنية، فإن ذلك يعني تمكن العلماء من رصد الثقب الأسود في قلب المجرة مسيية 87 بطريقة جديدة مختلفة، مما يضيف إلى معرفتنا عنها، ويطور من فهم العلماء لكيفية عمل هذه العملاقة السماوية البديعة.

ويشبه ذلك أن تلتقط 3 صور لشخص ما، الأولى صورة ضوئية عادية، والثانية من مقراب رؤية ليلية، والثالثة عبر جهاز أشعة سينية في أحد المستشفيات، الصور الثلاث في نطاقات تردد مختلفة، وكل منها يعطي تفاصيل مختلفة، فالأولى تعطي تفاصيل الوجه والجسم، والثانية تبين قدر ما يصدره هذا الشخص من حرارة، والثالثة تخترق جلده وعضلاته لتبين شكل عظامه، والصور الثلاث في مجموعها تعطي بيانات أدق عن هذا الشخص مقارنة بالصورة الضوئية فقط.

مجرات مخيفة

"Galaxies IC 2163 and NGC 2207 "المصدر (ناسا)

للوهلة الأولى تظن أنها زوج من العيون التي تنظر إليك من وجه نزع عنه الجلد، لكنها ليست إلا مجرتين على مقربة بعضهما من بعض سميتا “آي سي 2163″ إلى اليسار و”إن جي سي 2207” إلى اليمين، فحصهما مرصدا هابل وجيمس ويب في أكتوبر الماضي، لتظهر واحدة من أجمل الصور الفلكية هذا العام.

أزواج المجرات ظاهرة شائعة في الكون المنظور، وقد رصد العلماء هذه الأزواج في مراحل عدة من التقائها، فقد تكون بعيدة نسبيا بعضها عن بعض، وقد تكون متداخلة تماما ومشوهة لكن بشكل بديع.

ورغم أن المجرتين لم تلتحما فعليا، فإن تأثيرهما على بعضهما قد بات واضحا منذ ملايين السنوات، بسبب الجاذبية، حيث يمكن لكل منهما التأثير في مكونات المجرة الأخرى من سحب الغاز والغبار، مما يتسبب في ثورة تتمثل في نشأة النجوم الجديدة بمعدلات أكبر من المعتاد.

ويشبه ذلك أن يتمكن القمر مثلا، رغم بعده الشديد، من أن يمد يدي الجاذبية الخاصة به، ليؤثر على مياه الأرض فيحركها، ومن هنا تنشأ ظاهرة المد والجذر.

عبر الشمس

Astronomy© Tom Williams

تتوالى أخبار الشمس كثيرا هذه الأيام، وذلك لأننا نختبر خلال 2024 و2025 ذروة النشاط في الدورة الشمسية الحالية، والتي تمثل تغيرا في نشاط الشمس يتطور خلال 11 سنة بين ذروة نشطة، نشهد خلالها العديد من الانفجارات الشمسية وقد نلمس أثرها على الأرض، وحضيض هادئ، يقل خلاله نشاط الشمس إلى حد أدنى.

وفي هذه الصورة، التي التقطها المصور الفلكي توم ويليامز، يبدو النشاط الشمسي واضحا، كما يمكنك ملاحظة محطة الفضاء الدولية، التي كانت تمر أمام الشمس لحظة التقاط الصورة، لتبين قدر ضئالتنا أمام هذا النجم العملاق.

ورغم أنها متوسطة الحجم، فإن الشمس من الضخامة بحيث يمكن لها أن تبلع أكثر من مليون كرة أرضية كاملة وتظل بحاجة للمزيد، إنها كتلة هائلة من البلازما الساخنة التي تذكرنا دائما بمدى ضآلتنا وضعفنا في هذا الكون الواسع.

خريف ولكن

ألوان الخريف عبر الحدود الغربية لمقدونيا الشمالية واليونان، في صورة من القمر الصناعي كوبرنيكوس سنتينل 2 (وكالة الفضاء الأوروبية)

والآن دعنا نختم هذه الرحلة القصيرة بصورة معكوسة، فكل ما سبق كان عبارة عن منظور للفضاء التُقط من سكان الأرض، لكن هذه الصورة التي أعلنت عنها وكالة الفضاء الأوروبية في أكتوبر الماضي، توضح ألوان الخريف عبر الحدود الغربية لمقدونيا الشمالية واليونان، في صورة من القمر الصناعي كوبرنيكوس سنتينل 2.

من جبال بابا ومتنزه بيليستر الوطني في مقدونيا الشمالية إلى جبال فيرنو (فيتسي) في شمال اليونان، تظهر الأنواع السائدة من الأشجار وهي شجر الزان الأوروبي على ارتفاعات أعلى والبلوط على ارتفاعات متوسطة ومنخفضة.

والنتيجة المترتبة على هذا المزيج هي مزيج مذهل من درجات اللون البني والأحمر والأخضر النموذجية لموسم الخريف، والتي تعبر عن سمة رئيسية لهذا الكوكب، إنها الحياة. ولو قدر أن رصدتنا حضارة عاقلة على مسافة تريليونات الكيلومترات منا، ووجدت هذه الألوان، لتيقنت بأننا محظوظون حقا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.