أثارت مشاهدة عدة تماسيح في مصرف زراعي بمحافظة الشرقية المصرية جدلاً واسعاً وتساؤلات حول أسباب وجودها، خاصةً مع قرب المصرف من نهر النيل. يأتي هذا بعد حادثة مماثلة قبل أشهر، حيث عُثر على تمساح في شاطئ مدينة الإسكندرية، ورجح المحققون حينها أن يكون قد ألقي في البحر من قبل شخص ما. هذه الحوادث تضع السلطات البيئية في مصر أمام تحدٍ جديد يتعلق بانتشار التمساح في بيئات غير معتادة.

وقد أثارت هذه المشاهدة الأخيرة مخاوف لدى السكان المحليين، الذين تساءلوا عما إذا كانت التماسيح قد تسللت من بحيرة ناصر عبر نهر النيل إلى المصرف الزراعي. ومع ذلك، يرى خبراء البيئة أن هذا الاحتمال غير وارد نظراً لخصائص المياه في المصرف، والتي لا تتناسب مع بيئة التماسيح التي تعيش في المياه العذبة.

هل تغير المناخ يدفع التماسيح للبحث عن موائل جديدة؟

على الرغم من أن مياه المصارف الزراعية ليست مثالية للتماسيح، إلا أن البعض يطرح فرضية “التحول السلوكي” كنتيجة للتغيرات المناخية. يشير هذا المفهوم إلى أن الكائنات الحية قد تعدل سلوكها استجابةً للتغيرات في بيئتها، مثل فقدان الموائل أو التلوث أو تغير المناخ. ووفقاً لهذه الفرضية، قد تكون التماسيح قد وجدت في المصارف الزراعية بيئة أكثر هدوءاً وأماناً من نهر النيل، الذي يشهد كثافة سكانية عالية وحركة ملاحية نشطة.

يؤكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن تسلل التماسيح من بحيرة ناصر إلى نهر النيل أمر مستبعد للغاية. وأوضح أن السد العالي يمثل حاجزاً مادياً ضخماً يمنع التماسيح من الوصول إلى شمال السد، وأن نظام جريان النيل بعد بناء السد أصبح أقل ملاءمة لحياة التماسيح.

وأضاف الدكتور شراقي أن بحيرة ناصر، على عكس ذلك، توفر بيئة مثالية للتماسيح، حيث تتميز بمياه دافئة وضفاف طينية ورملية وغطاء نباتي كثيف، بالإضافة إلى مخزون غذائي غني. هذه العوامل تجعل بحيرة ناصر ملاذاً آمناً للتماسيح، بعيداً عن الصيد الجائر والتهديدات الأخرى.

التكيف القسري للتماسيح في بيئة المصارف

في المقابل، يشير الدكتور محمد عادل قدري، أستاذ علم الحيوان بجامعة القاهرة، إلى أن التماسيح قد تكون قادرة على التكيف مع بيئة المصارف الزراعية، على الرغم من أنها ليست مثالية. وأوضح أن التماسيح تتمتع بقدرة على تحمل مستويات عالية من الملوحة والتلوث، وأنها قادرة على التغذية على مجموعة متنوعة من الفرائس.

وأضاف الدكتور قدري أن التماسيح قد تلجأ إلى المصارف الزراعية كحل مؤقت للبقاء على قيد الحياة، خاصةً إذا فقدت موائلها الطبيعية أو تعرضت للتهديد. ومع ذلك، أكد أن إقامة التماسيح في المصارف ليست حلاً مستداماً، وأنها قد تؤدي إلى انخفاض في متوسط العمر الإخصاب وتدهور صحتها.

وتشير التقارير إلى أن التماسيح الموجودة في المصرف الزراعي قد تكون قد تخلص منها أصحابها بعد أن أصبحت تربيتها غير قانونية. وقد أظهرت مشاهدات المواطنين المحليين أن التماسيح كانت تتغذى على بقايا الحيوانات النافقة، مما يؤكد أنها لم تجد بيئة مناسبة للعيش فيها.

الرقابة القانونية ومستقبل التماسيح في مصر

تضع هذه الحوادث السلطات المصرية أمام ضرورة تشديد الرقابة على أسواق بيع وتداول الحيوانات الخطرة، مثل التمساح، لمنع تربيتها بشكل غير قانوني والتخلص منها في البيئة. وينص القانون رقم 29 لسنة 2023 على منع تربية أو تملك أو بيع الحيوانات الخطرة من دون ترخيص، وتوقيع غرامات مالية وعقوبات بالسجن على المخالفين.

وتشمل العقوبات غرامات مالية تتراوح بين 10 آلاف و500 ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى السجن لمدة لا تقل عن 3 أشهر وغرامة تتراوح بين 30 ألفاً ومليون جنيه مصري، أو إحدى العقوبتين، في حال تسبب الحيوان في تهديد حياة أو ممتلكات الغير. أما إذا أسفر الاعتداء عن وفاة الضحية، فقد تصل العقوبة إلى السجن من 15 إلى 20 سنة مع الأشغال الشاقة، أو حتى الحكم بالإعدام.

من المتوقع أن تقوم وزارة البيئة المصرية بتكثيف حملاتها الرقابية على أسواق الحيوانات ومزارع التماسيح، للتأكد من تطبيق القانون ومنع أي محاولات لتربية أو تداول هذه الحيوانات بشكل غير قانوني. كما من المرجح أن يتم إطلاق حملات توعية للمواطنين حول مخاطر تربية الحيوانات الخطرة وأهمية الحفاظ على البيئة. وتعتبر متابعة الوضع البيئي في نهر النيل والمصارف الزراعية أمراً بالغ الأهمية لتقييم مدى انتشار التمساح وتحديد الإجراءات اللازمة للتعامل مع هذا التحدي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version