عندما يذكر “الثقب الأسود” يتبادر إلى الأذهان تلك الأجرام السماوية ذات الجاذبية الهائلة التي لا يمكن لأي شيء، حتى الضوء، الإفلات منها. لطالما شكلت هذه الظواهر تحديًا للفيزيائيين، والسؤال المطروح هو: هل تخضع الثقوب السوداء لقواعد ميكانيكا الكم التي تحكم عالم الذرات والجسيمات؟ أظهرت دراسة حديثة نتائج مهمة في هذا الصدد.
نشرت دورية “فيزيكال ريفيو ليترز” مؤخرًا نتائج بحث أجراه باحثون من معهد لينويبر للفيزياء النظرية وجامعة كاليفورنيا بيركلي، وذلك بعد استخدام أدوات رياضية جديدة لتحليل سلوك الثقوب السوداء في درجات الحرارة المنخفضة. تُشير هذه النتائج إلى أن الثقوب السوداء قد تمتلك حالة أرضية مستقرة، مما يدعم فكرة أنها تتصرف وفقًا لقوانين ميكانيكا الكم.
رحلة عبر أنفاق الزمكان وفهم الثقوب السوداء
لطالما شكلت الإنتروبيا تحديًا في فهم سلوك الثقوب السوداء. الحسابات التقليدية كانت تشير إلى أن الإنتروبيا الخاصة بالثقب الأسود قد تنخفض إلى قيم سالبة، وهو أمر غير منطقي فيزيائيًا. هذا التناقض دفع العلماء إلى إعادة النظر في الطرق المستخدمة في الحسابات.
استخدم الباحثون مفهوم “الثقوب الدودية” – وهي ممرات افتراضية تربط بين نقاط مختلفة في الزمكان – كأداة رياضية جديدة. إدخال هذه الثقوب الدودية في الحسابات يسمح بفهم أعمق لجميع الاحتمالات الممكنة لتوزيع الطاقة داخل الثقب الأسود.
بمعنى آخر، فإن النظر في الثقوب الدودية يوسع نطاق الحسابات ليشمل مسارات خفية للطاقة، مما يؤدي إلى نتائج أكثر دقة. وقد أظهرت هذه الطريقة أن الإنتروبيا تظل موجبة وتقترب من الصفر عند أدنى درجات الحرارة، مما يؤكد أن الثقب الأسود يمتلك حالة أرضية مستقرة.
تفسير النتائج
لتوضيح الأمر، يمكن تخيل أن الثقب الأسود يحتوي على عدد من “الصناديق” المليئة بكرات تمثل حالات الطاقة المختلفة. الحسابات التقليدية كانت تركز على عدد محدود من هذه الصناديق، مما أدى إلى نتائج غير دقيقة. إدخال الثقوب الدودية يسمح بالنظر إلى جميع الصناديق والمسارات الممكنة بينها، مما يوفر صورة كاملة ودقيقة للإنتروبيا.
أهمية الاكتشاف
يمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو فهم العلاقة بين ميكانيكا الكم والجاذبية، وهما نظريتان أساسيتان في الفيزياء الحديثة. فقد أثبت العلماء أن الثقوب السوداء، على الرغم من جاذبيتها الهائلة، تتبع قوانين ميكانيكا الكم، مما يدعم فكرة وجود “بنية ميكروية للزمكان” يمكن دراستها.
بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد هذا البحث في تطوير نظريات جديدة حول أصل الكون ومصيره، وكذلك في فهم الظواهر الكونية الأخرى مثل الطاقة المظلمة والمادة المظلمة. الجاذبية الكمية هي مجال بحثي معقد، وهذه النتائج تقدم رؤى جديدة حول كيفية التعامل مع هذا التحدي.
من المتوقع أن يستمر الباحثون في استكشاف هذه النتائج وتطوير نماذج رياضية أكثر دقة لوصف سلوك الثقوب السوداء. سيشمل ذلك دراسة تأثيرات مختلفة مثل الدوران والشحنة الكهربائية على الإنتروبيا. من المرجح أن تظهر المزيد من الأبحاث في هذا المجال خلال السنوات القادمة، مما قد يؤدي إلى فهم أعمق لأسرار الكون.















