بعد ثوران مفاجئ لبركان “هايلي غوبي” في إقليم عفار بإثيوبيا، وهو بركان خامد منذ حوالي 10 إلى 12 ألف عام، تتزايد التساؤلات حول الأسباب المحتملة لهذا النشاط البركاني غير المتوقع. وبينما يركز النقاش على العوامل الجيولوجية الطبيعية، برزت آراء تربط بين ثوران البركان ومشاريع البنية التحتية الكبرى في المنطقة، وعلى رأسها سد النهضة الإثيوبي. هذا المقال يستعرض هذه التطورات والتحليلات المختلفة.

وقع الثوران في الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر 2023، مما أثار قلقًا إقليميًا وعالميًا. وتشير التقارير الأولية إلى أن الثوران لم يتسبب في خسائر بشرية كبيرة، لكنه أدى إلى انبعاث كميات كبيرة من الرماد البركاني وتغييرات في التضاريس المحلية. الخبراء يراقبون الوضع عن كثب لتقييم المخاطر المحتملة على المدى القصير والطويل.

هل سد النهضة مسؤول عن ثوران بركان هايلي غوبي؟

على الرغم من أن العلاقة المباشرة بين بناء السدود وثوران البراكين غير مثبتة علميًا، إلا أن بعض الباحثين يطرحون فرضيات حول تأثير محتمل لسد النهضة على النشاط البركاني في المنطقة. يرى هؤلاء الباحثون أن كميات المياه الهائلة المتراكمة خلف السد قد تؤثر على الضغوط الجيولوجية في باطن الأرض، مما قد يؤدي إلى إعادة تنشيط الفوالق والبراكين.

الدكتور كارم عبد المحسن، باحث في جامعتي ميشيغان وأريزونا، يقدم حجة مدعومة بنتائج دراسة نشرت في دورية “بي إن إيه إس”. تشير الدراسة إلى تسرب حوالي 30 مليار متر مكعب من مياه السد خلال أربع سنوات. ويوضح الدكتور عبد المحسن أن هذه المياه يمكن أن تتسرب بسرعة عبر الصخور البركانية والفوالق العميقة، وتقطع مسافات طويلة، مما قد يساهم في إعادة تنشيط الفوالق المرتبطة بالأخدود الأفريقي، حيث يقع بركان هايلي غوبي.

العلاقة بين الزلازل والبراكين

تعتبر العلاقة بين تنشيط الفوالق والزلازل وثوران البراكين أمرًا مثبتًا علميًا. الزلازل يمكن أن تسرع من عملية الثوران في البراكين التي تكون في حالة استعداد داخلي، حيث يمكن للاهتزازات الناتجة عن الزلزال أن تفتح شقوقًا جديدة في القشرة الأرضية، مما يسهل صعود الصهارة إلى السطح.

منطقة عفار، حيث يقع بركان هايلي غوبي، شهدت بالفعل سلسلة من الزلازل والهزات الأرضية منذ بداية عام 2023، كان أقواها بقوة 5.7 درجة على مقياس ريختر في يناير الماضي، وفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية والمركز الألماني لأبحاث علوم الأرض.

آراء متباينة حول تأثير سد النهضة

في المقابل، يرى خبراء آخرون أن تأثير سد النهضة على ثوران البركان محدود أو غير موجود. الدكتور بيتر بورسيل، خبير في شركة “بي آند آر” للاستشارات الجيولوجية، يقر بوجود تسرب للمياه من السد، لكنه يشكك في وجود صلة مباشرة بين هذا التسرب وثوران بركان هايلي غوبي.

وبالمثل، يميل الأستاذ فيديريكو ساني من جامعة دراسات فلورنسا إلى التقليل من تأثير سد النهضة، مشيرًا إلى أن الفالق الذي يقع عليه السد لا يرتبط مباشرة بالفوالق التي تؤثر على منطقة البركان. ويضيف أن المسافة الكبيرة بين السد والبركان (حوالي 700 كيلومتر) تجعل من غير المرجح أن يكون للتسرب تأثير كبير على النشاط البركاني.

ويرى الدكتور ساني أن أي تأثير محتمل لتسرب المياه سيكون مقتصرًا على المناطق المحيطة بالسد، وليس على بعد مئات الكيلومترات.

محاولة للتوفيق بين الآراء

الدكتور عبد المحسن يرى أن هناك أرضية مشتركة بين الآراء المختلفة، حيث يتفق الجميع على أن تسرب المياه من السد يمكن أن يؤدي إلى تنشيط الفوالق. لكن الخلاف يكمن في مدى هذا التنشيط والمسافة التي يمكن أن تصل إليها المياه. ويؤكد أن دراسته تشير إلى أن المياه المتسربة يمكن أن تصل إلى الفوالق المرتبطة بالأخدود الأفريقي، مما قد يساهم في إعادة تنشيط بركان هايلي غوبي.

ويشير إلى أن الصخور البركانية في منطقة سد النهضة تتميز بنفاذيتها العالية، مما يسهل تسرب المياه عبرها. ويستند في ذلك إلى دراسات سابقة رصدت وصول المياه المتسربة من بحيرة ناصر إلى واحة الداخلة على بعد 700 كيلومتر.

الجدير بالذكر أن هذه التطورات تأتي في ظل نقاشات مستمرة حول تأثير سد النهضة على تدفق المياه في نهر النيل، وعلى الأمن المائي للدول المتشاطئة.

الخطوات التالية والمستقبل

في الوقت الحالي، يركز العلماء على جمع المزيد من البيانات وتحليلها لتقييم المخاطر المحتملة لثوران بركان هايلي غوبي. من المتوقع أن يتم نشر المزيد من الدراسات في الأشهر القادمة، والتي قد تلقي الضوء على الأسباب الحقيقية للثوران وعلاقته المحتملة بسد النهضة.

يجب مراقبة النشاط الزلزالي في المنطقة عن كثب، بالإضافة إلى أي تغييرات في تدفق المياه أو الضغوط الجيولوجية. التعاون الدولي وتبادل المعلومات بين الخبراء أمر ضروري لضمان الاستعداد لمواجهة أي تطورات مستقبلية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version