نجح فريق بحثي صيني في تطوير نوع جديد من الألياف عالية القوة والمتانة، والتي قد تحدث ثورة في صناعة الدروع الواقية من الرصاص ومعدات الحماية المختلفة. تتميز هذه الألياف بكونها أرق وأكثر مرونة من المواد التقليدية، وتتفوق بشكل ملحوظ على ألياف “كيفلار” الشهيرة، المستخدمة منذ عقود في صناعة الدروع بسبب صلابتها ومقاومتها العالية.
يأتي هذا الابتكار في وقت يشهد فيه العالم طلباً متزايداً على مواد حماية متقدمة، سواء للاستخدامات العسكرية أو المدنية. تعتبر الألياف الواقية من الرصاص مكوناً أساسياً في معدات الشرطة والجيش، بالإضافة إلى تطبيقات في مجالات مثل السلامة المهنية وحماية البنية التحتية الحيوية.
تحدي القوة والمتانة في الألياف الواقية من الرصاص
تعتمد الدروع الواقية على توزيع الطاقة الناتجة عن الصدمة على شبكة الألياف المكونة لها. وفقاً للباحثين، فإن تحقيق التوازن بين القوة الديناميكية والمتانة العالية يمثل تحدياً كبيراً في تطوير المواد الليفية المخصصة للحماية من الصدمات عالية السرعة. غالباً ما يؤدي تعزيز إحدى هاتين الخاصيتين إلى إضعاف الأخرى.
يعود هذا التعقيد إلى أن سلاسل البوليمر داخل الألياف يمكن أن تنزلق عند تعرضها لقوة مفاجئة، مما يقلل من قدرتها على امتصاص الطاقة والحفاظ على سلامتها الهيكلية. للتغلب على هذه المشكلة، اتبع الفريق الصيني نهجاً مبتكراً يركز على تنظيم الأنابيب الكربونية النانوية داخل هيكل الألياف.
نهج جديد في تصميم الألياف
تم تطوير ألياف مركبة جديدة تجمع بين الأراميد الحلقية والأنابيب الكربونية النانوية الطويلة. وقد تم تصميم سلاسل الأراميد الحلقية لزيادة مرونتها، بينما تم تعديل الأنابيب الكربونية الطويلة لضمان توزيعها المتجانس داخل المادة المركبة.
تضمنت عملية التصنيع مرحلتين من السحب. في المرحلة الأولى، يتم سحب الألياف لتوجيه الأنابيب الكربونية النانوية في اتجاه واحد. ثم، في المرحلة الثانية، يتم تكرار عملية السحب مع تطبيق الحرارة، مما يسمح للأنابيب الكربونية النانوية بالعمل كقنوات لتوجيه سلاسل الأراميد حولها.
يؤكد الباحثون أن هذا الاصطفاف الدقيق يمنع الانزلاق الداخلي للمكونات عند تعرض الألياف لصدمات عالية السرعة، مما يتيح استخداماً كاملاً للطاقة الميكانيكية للمادة. كما أن عملية السحب متعددة المراحل ساهمت في تحسين محاذاة السلاسل وتقليل المسامية، مما عزز التماسك الداخلي وقدرة المادة على تحمل الأحمال.
نتائج اختبارات باليستية متقدمة للألياف الجديدة
أظهرت الاختبارات أن الألياف المركبة الجديدة تتمتع بقوة ديناميكية تصل إلى 10.3 غيغاباسكالات، ومتانة ديناميكية تبلغ 706.1 ميغاغولات لكل متر مكعب، وبسمك لا يتجاوز 1.8 مليمتر. هذه القيم تتجاوز أداء ألياف “كيفلار” التقليدية بأكثر من ثلاثة أضعاف.
عند إخضاع الألياف الجديدة لاختبارات باليستية مماثلة لتلك المستخدمة في تقييم الدروع الواقية، أظهرت أداءً متفوقاً. يعزى هذا التحسن إلى تقليل المسامية وتحسين التفاعل بين المكونات الداخلية، مما أدى إلى مقاومة عالية للكسور والاختراق.
لا تقتصر تطبيقات هذه الألياف الجديدة على الدروع الواقية فحسب، بل يمكن استخدامها أيضاً في مجموعة واسعة من المجالات الأخرى. تشمل هذه المجالات المعدات العسكرية الخفيفة، وتدريع المركبات، ومعدات الإطفاء والإنقاذ، بالإضافة إلى ملابس الحماية للعاملين في البيئات الخطرة، وحتى في الصناعات الفضائية والروبوتات.
يشير الباحثون إلى أن هذا العمل يوفر رؤى جديدة حول آليات تعزيز أداء الألياف البوليمرية، ويقدم مساراً واعداً للاستفادة الكاملة من القوة الكامنة في سلاسل البوليمر. على الرغم من أن الألياف الجديدة لا تزال في مراحل التطوير، إلا أن نتائج الدراسة تشير إلى إمكانية تغيير المعايير الحالية في تقنيات الحماية، وربما فتح الباب أمام جيل جديد من الدروع الأخف وزناً والأكثر فعالية.
من المتوقع أن تخضع هذه الألياف الجديدة لمزيد من الاختبارات والتقييمات قبل اعتمادها للاستخدام التجاري. تشمل الخطوات التالية تحسين عملية التصنيع لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى إجراء اختبارات شاملة لتقييم أدائها في مختلف الظروف البيئية. من المهم متابعة التطورات في هذا المجال لمعرفة ما إذا كانت هذه الألياف الجديدة ستفي بوعودها وتحدث ثورة حقيقية في صناعة الحماية.














