على سفوح مدغشقر الرطبة، حيث تتلون الأغصان بألوان الطبيعة الخلابة، تعيش حرباء فريدة من نوعها اشتهرت بين علماء الزواحف ومحبي الطبيعة بملامحها المميزة. لطالما اعتقد الباحثون أن هذه الحرباء هي جزء من مجموعة “الحرباويات ذات الأنف المتدلي”، ولكن دراسة حديثة كشفت عن حقيقة مدهشة: هذه الحرباء ليست مجرد نوع واحد، بل نوعان مستقلان تمامًا، مما يغير فهمنا للتنوع البيولوجي في مدغشقر.

نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة علمية مرموقة، وتستند إلى تحليل الحمض النووي لعينات حديثة وأخرى محفوظة في المتاحف منذ أكثر من قرن. وقد أظهرت التحاليل اختلافات وراثية كبيرة بين ما كان يُعتبر سابقًا أنواعًا فرعية من حرباء واحدة، مما دفع العلماء إلى إعادة تصنيفها. هذا الاكتشاف يسلط الضوء على أهمية البحث العلمي الدقيق في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

حرباء بينوكيو: نوع جديد يكشف عن أسرار مدغشقر

لطالما لفتت هذه الحرباء انتباه الباحثين بسبب أنفها الطويل والبارز، الذي يذكرنا بأنف بينوكيو الشهير. وعلى الرغم من أن هذا “الأنف” كان يُستخدم كعلامة مميزة لتحديدها، إلا أن الدراسة الجديدة أظهرت أن طول وشكل ولون هذه الزائدة الأنفية يمكن أن يتغير بسرعة، مما يجعل الاعتماد على المظهر وحده أمرًا مضللاً. العلماء أطلقوا عليها رسميًا اسم “كالوما بينوكيو” (Calumma pinocchio) لتعكس اسمها الشائع.

ولم يكن هذا هو الاكتشاف الوحيد. كشفت التحليلات أيضًا عن وجود نوع مخفي آخر، كان يُخلط لسنوات مع نوع معروف بسبب التشابه الظاهري. أُطلق على هذا النوع الجديد اسم “كالوما هوفريتري” (Calumma hofstetteri). هذا يوضح مدى صعوبة تحديد أنواع الزواحف الجديدة، خاصة في المناطق ذات التنوع البيولوجي العالي مثل مدغشقر.

أهمية التصنيف العلمي

قد يبدو التصنيف العلمي مسألة تقنية بحتة، ولكنها في الواقع حاسمة للحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض. فعندما يتم تجميع نوعين مختلفين تحت اسم واحد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى أخطاء في تقدير نطاق انتشارهما وعدد أفرادهما ومستوى التهديد الذي يواجهانه. وبناءً على هذه التقديرات الخاطئة، قد يتم وضع خطط الحماية غير الفعالة.

علاوة على ذلك، فإن فهم التنوع البيولوجي أمر ضروري لتطوير استراتيجيات الحفاظ على الأنواع. فكلما زاد عدد الأنواع المعروفة، زادت فرصنا في حماية التراث الطبيعي الفريد لمدغشقر.

دور المتاحف في الاكتشافات الجديدة

ما يميز هذه الدراسة بشكل خاص هو استخدام منهج “الميوزوميكس” (museum genomics)، والذي يتضمن استخراج الحمض النووي من العينات المحفوظة في المتاحف. وقد سمح هذا الفريق من الباحثين بتحليل عينات يرجع تاريخها إلى عام 1836، مما أضاف بعدًا تاريخيًا مهمًا إلى الاكتشاف. وهذا يبرز الدور المتزايد الأهمية للمتاحف في البحث العلمي الحديث.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النهج يسمح للعلماء بدراسة الأنواع التي قد تكون قد انقرضت بالفعل أو أصبحت نادرة للغاية، مما يوفر رؤى قيمة حول تاريخ التنوع البيولوجي وتأثير التغيرات البيئية.

مدغشقر، بتاريخها البيولوجي الغني، هي موطن لأكثر من 40% من أنواع الحرباء المعروفة في العالم. ومع إضافة هذين النوعين الجديدين، يرتفع العدد الإجمالي لأنواع الحرباء المعروفة في الجزيرة إلى 100 نوع من أصل 236 نوعًا على مستوى العالم. وهذا يؤكد على أهمية مدغشقر كمركز عالمي للتنوع البيولوجي وضرورة تكثيف جهود الحفاظ على البيئة في هذه المنطقة.

من المنتظر أن يقوم فريق البحث بتوسيع نطاق دراسته ليشمل المزيد من عينات الحرباء من مختلف أنحاء مدغشقر، وذلك بهدف تحديد المزيد من الأنواع الجديدة وتقييم حالة الحفظ لكل نوع. قد تكشف هذه الدراسات المستقبلية عن المزيد من المفاجآت وتزيد من فهمنا للتنوع البيولوجي المذهل في هذه الجزيرة الفريدة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومات والمنظمات البيئية التعاون لوضع خطط حماية فعالة تضمن بقاء هذه الأنواع للأجيال القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً