بعد فترة طويلة من انقطاع الأخبار، عادت تقارير القبض على شبكات نصب جديدة تدّعي بيع “الزئبق الأحمر” إلى الواجهة. هذه المادة الوهمية، التي يُزعم أنها تمتلك خصائص سحرية أو علمية خارقة، لا تزال تجذب الضحايا الراغبين في الثراء السريع أو اكتشاف الكنوز، على الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل السلطات والخبراء. آخر هذه الحوادث وقع في مدينة مراكش المغربية، حيث ألقت الشرطة القبض على شبكة إجرامية متخصصة في خداع الباحثين عن الكنوز.

وتشير التقارير إلى أن المحتالين استغلوا شغف الضحايا بالتنقيب عن المعادن والكنوز، مدعين أن الزئبق الأحمر يعمل كمغناطيس يجذب هذه الثروات. هذه الأساليب ليست جديدة، فقد استخدمت شبكات مماثلة في مصر نفس الخدع لاستغلال طموحات الراغبين في الثراء السريع، مما يؤكد استمرار هذه الظاهرة وتطور أساليبها.

لماذا ينتشر وهم الزئبق الأحمر؟

انتشار الحديث عن الزئبق الأحمر ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة لتضافر عدة عوامل. أبرز هذه العوامل هي الرغبة في تحقيق الثراء السريع، بالإضافة إلى الاعتقاد الخرافي بقدرات سحرية أو خارقة لهذه المادة. كما أن انتشار الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يلعب دوراً كبيراً في إحياء هذه الأسطورة.

هناك ثلاثة محاور رئيسية تغذي هذا الوهم: أولاً، الاعتقاد بقدرة الزئبق الأحمر على كشف الكنوز أو تحقيق الشفاء من الأمراض. ثانياً، دور سرديات وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج هذه الأفكار. وثالثاً، القيود القانونية الصارمة على التنقيب عن الآثار، مما يدفع البعض للعمل بشكل سري والوقوع في فخ المحتالين.

دور وسائل التواصل الاجتماعي

في يوليو/تموز الماضي، انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب، يظهر فيها أحد المؤثرين مدعياً أنه عثر على كنز بفضل الزئبق الأحمر. هذه المقاطع، التي استخدمت كلمات مفتاحية مثل “كنز”، جذبت اهتماماً كبيراً وأثارت موجة من التعليقات والتساؤلات، مما ساهم في خلق سوق وهمي لهذه المادة.

القيود القانونية والتنقيب السري

التنقيب غير المرخص عن الآثار في المغرب يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. هذا الأمر يدفع الكثيرين للعمل في الخفاء، مما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل المحتالين الذين يستغلون حاجتهم للثراء السريع. غياب الاستشارات القانونية أو الفواتير الرسمية يزيد من خطر الوقوع ضحية للنصب.

الأسطورة أصلها سوفياتي

تعود جذور أسطورة الزئبق الأحمر إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما نشرت صحف غربية تقارير غامضة عن مادة سرية سوفياتية تستخدم في تصنيع الأسلحة النووية. لاحقاً، تبين أن هذه التقارير كانت جزءاً من عملية تضليل استخباراتية متعمدة من قبل الاتحاد السوفياتي، بهدف استدراج تجار السلاح والمجموعات الإرهابية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كشفت التقارير الاستخباراتية أن “الزئبق الأحمر” لم يكن موجوداً أصلاً، بل كان مجرد خدعة لإحباط جهود الحصول على أسلحة متطورة. ومع ذلك، استمرت هذه الأسطورة في الانتشار في الشرق الأوسط، وتطورت لتشمل اعتقادات أخرى تتعلق بالسحر والكنوز والشفاء.

ما هو الزئبق الأحمر الحقيقي؟

على الرغم من الخصائص الخيالية التي تُنسب إليه، فإن مصطلح “الزئبق الأحمر” له أصل تاريخي في الكيمياء القديمة. يشير هذا المصطلح إلى كبريتيد الزئبق، وهو مركب كيميائي أحمر اللون استخدمه الفنانون في العصور الوسطى لتلوين المخطوطات واللوحات. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الفنانين في تلك الفترة كانوا يصنعون هذه الصبغة باستخدام مواد وأدوات بسيطة، أو يحصلون عليها من حجر السينابار الطبيعي.

وفي تجربة عملية أجريت في زغرب بكرواتيا، تبين أن عينة من الزئبق الأحمر التي صودرت من أحد المحتالين كانت تحتوي على زئبق نقي فقط، دون أي مواد أخرى ذات خصائص خارقة. هذا يؤكد أن المحتالين يستغلون الاسم التاريخي للمادة لخداع الضحايا.

من المتوقع أن تستمر السلطات في جهودها لمكافحة عمليات النصب المتعلقة بالزئبق الأحمر، وتوعية الجمهور بمخاطر هذه الأساطير. في الوقت نفسه، يجب على وسائل الإعلام والباحثين لعب دور فعال في فضح هذه الخدع وتوضيح الحقائق العلمية. يبقى التحدي الأكبر هو تغيير المفاهيم الخاطئة المتجذرة في أذهان البعض، والتركيز على أهمية التفكير النقدي والتحقق من المعلومات قبل تصديقها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version