تواجه الولايات المتحدة تحديًا متزايدًا مع انتشار نوع غازٍ من النمل المجنون، المعروف علميًا باسم Paratrechina vivida. هذا النمل، الذي يتميز بسلوكه العشوائي وسرعة تكاثره، أصبح يهدد التنوع البيولوجي المحلي ويتسبب في إزعاج كبير للسكان، مما دفع الباحثين إلى البحث عن طرق فعالة للسيطرة عليه.
تم اكتشاف هذا النوع من النمل لأول مرة في الولايات المتحدة، وتحديدًا في تكساس وفلوريدا، وقد انتشر بسرعة في مناطق أخرى. ويشتهر “النمل المجنون” بقدرته على التفوق على أنواع النمل الأخرى، بما في ذلك النمل الناري الأحمر، مما يزيد من صعوبة مكافحته.
البداية قبل أكثر من عشر سنوات
قبل أكثر من عقد من الزمان، اكتشف باحثون بجامعة تكساس وجود طفيلي دقيق، يسمى “ميكروسبوريديا”، يصيب هذا النمل تحديدًا ولا يؤثر على الحشرات الأخرى. وقد أثار هذا الاكتشاف الأمل في استخدام هذا الطفيلي كعامل بيولوجي للسيطرة على النمل المجنون.
ومع ذلك، أظهرت التجارب الأولية أن فعالية هذا الطفيلي تقتصر على البيئات المخبرية، حيث لم يتمكن من الانتشار بشكل كافٍ في المستعمرات الطبيعية. واستمر الباحثون في دراسة سلوكيات هذا النمل الغريبة لمحاولة فهم أسباب هذا الفشل.
نظام مناعة اجتماعي متطور لدى النمل
تشير دراسة حديثة نشرت في دورية “جورنال أوف أنيمال إيكولوجي” إلى أن النمل المجنون يمتلك ”مناعة اجتماعية“ متطورة تحميه من تأثيرات الطفيلي. تعتمد هذه المناعة على تنظيم دقيق داخل المستعمرة، يتضمن تقسيمها إلى غرف متعددة الوظائف.
وفقًا للباحثين، فإن هذا التنظيم يسمح للنمل بعزل الأفراد المصابين في مناطق معينة من العش، ومنعهم من الوصول إلى اليرقات، وهي المرحلة الأكثر عرضة للإصابة بالطفيلي. وهذا السلوك الدفاعي يشبه إلى حد كبير إجراءات الحجر الصحي التي يتبعها البشر للحد من انتشار الأمراض.
بالإضافة إلى ذلك، يمارس النمل المصاب سلوكيات عزل ذاتي، إذ يبتعد عن مركز العش ويقوم بمهام خطيرة مثل التخلص من الجثث، مما يقلل من فرصة نقل العدوى إلى أفراد آخرين. وقد شوهدت أيضًا سلوكيات عدوانية تجاه الأفراد المصابين، مما يشير إلى أن النمل قادر على التعرف على المرض واتخاذ الاحتياطات اللازمة.
تغلب العلماء على دفاعات النمل
لتجاوز هذه الدفاعات الطبيعية، طور الباحثون إستراتيجية جديدة تعتمد على تدمير أعشاش النمل المجنون وإجبار المستعمرات على الهجرة وبناء أعشاش جديدة. وهذا الإجراء يزيل الحواجز الدفاعية التي توفرها بنية العش المنظمة، ويسمح للطفيلي بالانتشار بشكل أوسع.
يقول إدوارد ليبرون، الباحث الرئيسي في الدراسة، إن هذه الطريقة تثبت فعاليتها العالية، حيث تؤدي إلى انهيار المستعمرات الغازية وإتاحة الفرصة لعودة الأنواع المحلية. وأضاف أن خلط النمل المصاب والسليم أثناء الهجرة يضمن وصول الطفيلي إلى اليرقات، مما يؤدي إلى انهيار المستعمرة بأكملها.
تتطلب هذه الطريقة تدخلًا مباشرًا وتدميرًا للمستعمرات، وهو ما قد يثير مخاوف بيئية. يمكن أن يؤثر التخلص من المستعمرات على الكائنات الحية الأخرى التي تعتمد عليها، بالإضافة إلى التأثيرات المحتملة على التربة والنظام البيئي بشكل عام.
تحديات مستقبلية والبحث عن حلول مستدامة
تعتبر السيطرة على النمل المجنون تحديًا مستمرًا، ويتطلب جهودًا متواصلة من الباحثين والسلطات المعنية. يهدف البحث المستقبلي إلى فهم آليات الدفاع الاجتماعي لدى هذا النمل بشكل أعمق، وتطوير طرق أكثر استهدافًا وفعالية للسيطرة عليه، مع الأخذ في الاعتبار التأثيرات البيئية المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، يجري استكشاف طرق بديلة للسيطرة على هذا النمل، مثل استخدام مواد جاذبة أو طاردة طبيعية، أو تطوير أنواع أخرى من الطفيليات المتخصصة. ومن المتوقع أن يتم تقييم فعالية هذه الطرق البديلة خلال العام المقبل، وقد تؤدي إلى تطوير استراتيجيات مكافحة أكثر استدامة.
يستمر العلماء في مراقبة انتشار هذا النمل الغازي، وتقييم تأثيره على البيئة والاقتصاد. وتشير التوقعات إلى أن هذا النمل سيظل يمثل تحديًا كبيرًا في السنوات القادمة، ويتطلب تعاونًا دوليًا وتبادلًا للمعلومات والخبرات لإيجاد حلول فعالة ومستدامة.















