اكتشف باحثون من جامعة ستانفورد مادة تُعرف باسم “تيتانات السترونشيوم” تُظهر سلوكًا غير تقليدي عند درجات حرارة منخفضة جدًا، حيث تزداد كفاءتها في التفاعل مع الضوء والمجالات الكهربائية. وتعد هذه المادة بلورة معروفة منذ عقود وتستخدم في بعض التطبيقات المختبرية والصناعية.
في العادة، عندما تبرد المواد، تتباطأ حركتها وتضعف قدرتها على التوصيل أو التفاعل، لكن “تيتانات السترونشيوم” تسير عكس هذه القاعدة. فقد أظهرت عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق (نحو 5 كلفن أو 268 درجة مئوية تحت الصفر) قدرة غير مسبوقة على التفاعل مع الضوء والمجالات الكهربائية، مما يجعلها مثيرة للاهتمام في تطبيقات تقنيات الكم.
استجابة “غير خطية”
بحسب الدراسة التي نشرها الباحثون في دورية “ساينس”، فإن “تيتانات السترونشيوم” أظهرت خاصية سميت “الاستجابة الضوئية غير الخطية”، وهي مقياس لقدرة المادة على تحويل الضوء أو تعديل شدته، أقوى بنحو 20 مرة من مادة الليثيوم نيوبات التي تُعد حتى اليوم المعيار الذهبي في الإلكترونيات الضوئية.
ورصد الباحثون أيضًا أن استبدال بعض ذرات الأكسجين في البلورة بنظائر أثقل يمكن أن يحسن من أدائها بمقدار 4 أضعاف في بعض الحالات. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام تحسينات مستقبلية في تصميم الأجهزة الكمومية.
تطبيقات محتملة
تعد “تيتانات السترونشيوم” مادة واعدة في عالم التقنيات الكمية، مثل الحواسيب الكمومية وأجهزة الاستشعار فائقة الحساسية والاتصالات البصرية. حيث تواجه المهندسون مشكلة أساسية هي أن معظم المواد لا تعمل جيدًا في البرودة الشديدة التي تحتاجها الأجهزة الكمومية.
ومع ذلك، فإن “تيتانات السترونشيوم” تُظهر تحسنًا في الأداء عند التبريد، مما يعني أنها يمكن أن تُستخدم لبناء مكونات كمومية تعمل بكفاءة عالية في ظروف الفضاء أو المختبرات فائقة التبريد. وتتميز هذه المادة أيضًا بخصائص كهرضغطية، مما يفتح المجال أمام ابتكار أجهزة كهروميكانيكية جديدة.
وتشير التقديرات إلى أن تصنيع “تيتانات السترونشيوم” سهل نسبيًا ويمكن دمجه باستخدام المعدات الحالية لصناعة أشباه الموصلات، مما قد يُسرع من انتقالها من المختبر إلى التطبيق العملي. تقول جيلينا فوكوفيتش، أستاذة الهندسة الكهربائية من جامعة ستانفورد والمؤلفة الرئيسية للدراسة، إن “تيتانات السترونشيوم” يتميز بتأثيرات كهروضوئية أقوى بـ40 مرة من المواد المستخدمة حاليًا.
الخطوات المقبلة
من المتوقع أن تُجرى المزيد من الأبحاث لتحسين خصائص “تيتانات السترونشيوم” وتطوير تطبيقاتها العملية. وقد تشمل الخطوات المقبلة تحسين طرق تصنيع المادة وتطوير تقنيات لدمجها في الأجهزة الكمومية الحالية.
ويرى الباحثون أن هذا الاكتشاف يمكن أن يكون له تأثير كبير على تطوير تقنيات الكم في المستقبل القريب، خاصة إذا تمكن العلماء من تحسين أداء المادة وتطويعها للتطبيقات المختلفة. ومع استمرار الأبحاث، قد نرى تطورات جديدة في هذا المجال خلال السنوات القليلة المقبلة.


