تشير دراسة حديثة تعتمد على تحليل الحمض النووي القديم إلى أن تاريخ وصول القطط المنزلية إلى أوروبا يختلف عما كان يُعتقد سابقًا. فقد تبين أن القطط لم تنتقل إلى القارة الأوروبية إلا قبل حوالي ألفي عام، وأن أصولها تعود إلى قطط برية من شمال أفريقيا، وليس إلى سلالة نشأت في الشرق الأدنى خلال العصر الحجري الحديث كما كان يُفترض. وقد نشرت النتائج في مجلة “ساينس” في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

حلل الباحثون 87 جينومًا لقطط قديمة وحديثة، ضمن مشروع بحثي واسع النطاق أطلق عليه اسم “فيليكس”. وشمل التحليل 70 جينومًا منخفض التغطية من عينات أثرية تغطي أكثر من 10 آلاف عام، بالإضافة إلى 17 جينومًا عالي التغطية لقطط برية من أوروبا وشمال أفريقيا والأناضول. وتشير الدراسة إلى أن انتشار القطط المنزلية في أوروبا كان مرتبطًا بشكل كبير بحركة الجيوش والتجارة الرومانية، بما في ذلك وصولها إلى بريطانيا في القرن الأول الميلادي.

تتبع خطوط نسب القطط المنزلية

في تصريحات أدلى بها للجزيرة نت، أوضح كلوديو أوتوني، أستاذ البيولوجيا التطورية المشارك في جامعة روما تور فيرجاتا، أن الفريق البحثي توصل إلى أن القط المنزلي الحديث ينحدر على الأرجح من القط البري الأفريقي. وأضاف أن انتشار القطط في أوروبا وغرب آسيا لم يحدث إلا بعد قرون طويلة من موجة الاستيطان الزراعي الأولى.

هذه النتائج تعيد تقييم الفرضية السائدة التي كانت تشير إلى أن القطط رافقت المزارعين الأوائل من الأناضول إلى أوروبا قبل حوالي 6 آلاف عام، وأن عملية استئناس القطط بدأت في الشرق الأدنى مع ظهور الزراعة. وبحسب الدراسة، فإن القطط التي وُجدت في أوروبا وتركيا في تلك الفترة المبكرة كانت في الواقع قططًا برية أوروبية، أو هجينة بين سلالات برية محلية ووافدة، وليست سلالة منزلية مستقرة.

ومع إدخال سلالة القط المنزلي ذات الأصل الشمال أفريقي، بدأ انتشارها السريع عبر طرق الإمبراطورية الرومانية، لتثبت وجودها في معظم أنحاء القارة. كما كشفت الدراسة عن لغز إقليمي في جزيرة سردينيا، حيث أظهرت النتائج أن القطط البرية السردينية، القديمة والحديثة، أقرب جينيًا إلى القطط البرية في شمال أفريقيا منها إلى القطط المنزلية.

أهمية الحمض النووي القديم في فهم تاريخ القطط

يعني هذا، وفقًا للباحثين، أن البشر نقلوا قططًا برية إلى جزر لم تكن موطنًا طبيعيًا لها، وأن التجمعات الحالية هناك ليست مجرد أحفاد لقطط منزلية عادت إلى البرية. ويؤكد أوتوني أن الاعتماد على العظام وحدها لتمييز القطط المنزلية من البرية يمثل تحديًا بسبب التشابه الشكلي الكبير بينهما، مما يفسر التباين في القراءات الأثرية السابقة.

ويضيف أن تحليل الحمض النووي القديم يوفر إطارًا أكثر وضوحًا لتتبع خطوط النسب وحركة السلالات عبر الزمن، ولفصل ظاهرة التهجين عن الاستئناس المنزلي بمعناه البيولوجي والسلوكي. القطط، على الرغم من قربها من البشر، تمنح أسرارها بصعوبة، وهذا التحليل يمثل خطوة مهمة في فهم تاريخها.

توضيح البصمة الجينية للقطط

توضح الدراسة الجديدة أن الصورة الكاملة لتاريخ القطط تتضمن ارتباطات إنسانية مبكرة بالقطط في شرق المتوسط، ودور مصر القديمة في إبراز مكانة القط، ثم الانتشار الأوروبي المتأخر نسبيًا. ويتركز الاستئناس في شمال أفريقيا، ثم انتقلت السلالة المنزلية لاحقًا على نطاق واسع بواسطة البشر، مع حدوث تزاوج متقطع مع قطط برية محلية على طول مسارات الانتقال.

ويؤكد أوتوني أن هذه النتائج لا تلغي تعقيد تاريخ القطط، فالسمات السلوكية التي قربتها من الإنسان، مثل صيد القوارض والتسامح مع القرب البشري، نمت تدريجيًا. كما أن اختلاط السلالات ظل قائمًا عبر آلاف السنين. الاستئناس عملية معقدة، وهذه الدراسة تلقي الضوء على جانب مهم منها.

ومع ذلك، يشدد الباحث على أن حدوث التهجين لا يعني بالضرورة وجود سلالة منزلية مستقرة في ذلك الوقت المبكر، وأن البصمة الجينية الواضحة للقط المنزلي لا تظهر في أوروبا إلا لاحقًا. السلالات القططية شهدت تطورات كبيرة عبر التاريخ.

تعد هذه الدراسة جزءًا من جهود مستمرة لحسم أسئلة منشأ القطط وتاريخ استئناسها. وتفتح النتائج الباب أمام أعمال لاحقة لتوسيع قاعدة العينات جغرافيا وزمانيًا، وتدقيق العلاقة بين تحركات البشر، خاصة الرومان، وتوزع السلالات القططية. من المتوقع أن يتم نشر المزيد من النتائج في غضون عامين، مع التركيز على تحليل جينومات إضافية من مناطق مختلفة.

عمليًا، لا تغير هذه الخريطة المعدلة كثيرًا في الواقع اليومي لعلاقة البشر بقططهم، لكنها تعدل جدولًا زمنيًا أساسيًا: قطط أوروبا ليست بقايا رفيق نيوليتي قديم، بل وافد أحدث انطلق من شمال أفريقيا واستقر مع العصر الروماني، بحسب المؤلف المشارك في الدراسة. القطط الأليفة جزء لا يتجزأ من حياة الكثيرين، وفهم تاريخها يضيف بعدًا جديدًا لهذه العلاقة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version