إن قطرات المطر تحمل طاقة ميكانيكية كامنة، وقد سعى العلماء لسنوات إلى تطوير طرق لتحويل هذه الطاقة إلى كهرباء. مؤخرًا، حقق فريق بحثي من جامعة نانجينغ للملاحة الجوية والفضائية في الصين تقدمًا كبيرًا في تطوير مولدات الكهرباء بالقطرات، وذلك من خلال ابتكار جهاز عائم يستخدم الماء نفسه كجزء أساسي من هيكله، مما يمثل خطوة نحو مصادر طاقة نظيفة ومستدامة.
نُشر هذا الابتكار في دورية “ناشونال ساينس ريفيو”، ويقدم حلاً للتحديات التي تواجه مولدات الكهرباء التقليدية التي تعتمد على قطرات المطر، مثل الكفاءة المنخفضة، والوزن الثقيل، وصعوبة التوسع في نطاقها. يهدف هذا البحث إلى توفير مصدر طاقة بديل وصديق للبيئة، خاصة في المناطق التي تشهد هطول أمطار غزيرة.
ما هي مولدات الكهرباء بالقطرات؟
يقول الدكتور وي دينغ، الأستاذ المشارك في جامعة نانجينغ للملاحة الجوية والفضائية، إن مولدات الكهرباء بالقطرات هي أجهزة تحول الطاقة الحركية لقطرات الماء إلى طاقة كهربائية من خلال التفاعلات بين الماء والمواد الصلبة الوظيفية. تعتمد هذه المولدات على التلامس الكهربائي والحث الكهروستاتيكي الذي يحدث عندما تتحرك القطرات على سطح عازل.
تختلف هذه المولدات عن الأنواع الأخرى في أنها تستخدم الماء كجزء أساسي من هيكلها، مما يقلل من الوزن والتكلفة بشكل كبير مقارنة بالمولدات التقليدية القائمة على المواد الصلبة. بالإضافة إلى ذلك، تتميز هذه المولدات بالاستقرار في الظروف الطبيعية القاسية وإمكانية توسيع نطاقها لتشغيل أجهزة الاستشعار والإلكترونيات غير المتصلة بالشبكة وأنظمة الطاقة الموزعة.
كيف يعمل المولد العائم؟
يعمل المولد العائم الجديد من خلال السماح لقطرة المطر بالهبوط على غشاء عازل يطفو على سطح الماء. يوفر الماء الموجود تحته القوة اللازمة لامتصاص الصدمة بفضل عدم انضغاطه وتوتره السطحي، مما يسمح للقطرة بالانتشار بفعالية أكبر. تعمل الأيونات الموجودة في الماء كحاملات شحن، مما يجعل طبقة الماء تعمل كقطب كهربائي موثوق.
هذا التصميم المتكامل مع الطبيعة يتيح للمولد العائم توفير جهد ذروة عال يبلغ حوالي 250 فولت لكل قطرة، وهو مستوى أداء يضاهي الأجهزة التي تعتمد على مكونات معدنية وركائز صلبة. يقلل هذا النهج من الاعتماد على المواد التقليدية باهظة الثمن، مما يجعله حلاً أكثر استدامة وفعالية من حيث التكلفة.
تطبيقات الاكتشاف الجديد
بالإضافة إلى توليد الكهرباء، يمكن استخدام هذه المولدات العائمة في مجموعة متنوعة من التطبيقات البيئية. يمكن استخدامها لتشغيل أجهزة استشعار جودة المياه وملوحتها وتلوثها، خاصة في المناطق التي تشهد هطول أمطار متكررة. يمكن أيضًا دمجها مع أنظمة الطاقة الشمسية العائمة لتوفير مصدر طاقة موثوق به للمناطق النائية أو غير المتصلة بالشبكة.
يرى الدكتور دينغ أن هناك إمكانات كبيرة لتطبيق هذه المولدات في المسابح خلال فصل الشتاء لتوفير الطاقة اللازمة لصيانة المسابح، حيث تكون المسابح خاملة وتحتاج إلى مضخات تصريف. هذا يوضح تعدد استخدامات هذه التكنولوجيا وقدرتها على التكيف مع بيئات مختلفة.
التحديات المستقبلية
على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها. يشير الدكتور دينغ إلى ضرورة تحسين الأداء الفعلي للمولدات، حيث أن حجم وسرعة قطرات المطر يمكن أن يؤثر على إنتاج الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يجب تحسين المتانة والموثوقية في ظل الظروف الجوية القاسية، وإدارة التلوث السطحي على المدى الطويل.
يتطلب تطوير هذه التكنولوجيا أيضًا تحسين الدائرة الكهربائية لزيادة كفاءة التحويل وإدارة الطاقة بشكل أفضل. هذه التحديات تتطلب مزيدًا من البحث والتطوير لتحقيق الإمكانات الكاملة لـ مولدات الكهرباء بالقطرات.
من المتوقع أن يواصل فريق البحث في جامعة نانجينغ للملاحة الجوية والفضائية العمل على تحسين هذه التكنولوجيا خلال العام المقبل، مع التركيز على زيادة الكفاءة والمتانة. سيتم أيضًا استكشاف إمكانية دمج هذه المولدات مع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى لإنشاء أنظمة طاقة هجينة أكثر فعالية. يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق قابلية التوسع التجاري لهذه التكنولوجيا، وهو ما يتطلب استثمارات إضافية وجهودًا بحثية مكثفة.


