مع أول زخات الأمطار الموسمية في الهند وجنوب شرق آسيا، يشهد علماء الطبيعة ظاهرة لافتة للنظر تحدث لضفدع آسيوي شائع. يتحول لون ذكر الضفدع الآسيوي الشائع، المعروف علميًا باسم دوتافرينوس ميلانوستيكتوس، بشكل ملحوظ من البني الداكن إلى الأصفر الساطع خلال دقائق، في استعراض لوني فريد يتزامن مع فترة التزاوج السنوية.
لغز الوهج الأصفر: لماذا يتغير لون الضفدع الآسيوي؟
لطالما عرف العلماء أن هذا التحول اللوني يحدث بالتزامن مع موسم التزاوج القصير، الذي لا يتجاوز يومين، لكن الدافع وراءه ظل غير واضح. أظهرت دراسة حديثة أجريت في حديقة شونبرون في فيينا أن هذا التغيير ليس عشوائيًا، بل يخدم غرضًا بيولوجيًا محددًا يتعلق بالتواصل بين الذكور.
وفقًا للباحثين، فإن اللون الأصفر الزاهي يجعل الذكور أكثر وضوحًا لبعضها البعض، مما يساعدهم على التمييز بين الذكور والإناث في مجموعات التكاثر الكثيفة. هذا التمييز البصري ضروري لتجنب محاولات التزاوج الخاطئة بين الذكور، وهي سلوكيات غير منتجة وتستنزف الطاقة.
اختبار وظيفة التحول اللوني في بيئة الضفدع الطبيعية
للتأكد من هذه الفرضية، أجرى فريق البحث دراسة ميدانية مبتكرة. استخدموا نماذج حاسوبية وبيانات من أجهزة قياس الطيف لتطوير محاكاة بصرية لكيفية رؤية الضفادع للألوان. كشفت المحاكاة أن التباين اللوني بين الذكور والإناث يكون أكثر وضوحًا في ظل الظروف التي يختبرها الضفدع نفسه.
بعد ذلك، قاموا بإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد واقعية للضفادع، بعضها باللون الأصفر وبعضها باللون البني، ووضعوها بالقرب من مجموعات الضفادع المتجمعة للتزاوج. لاحظ الباحثون أن الذكور أظهروا اهتمامًا أكبر بالنماذج البنية، وحاولوا التزاوج معها، بينما تجاهلوا النماذج الصفراء إلى حد كبير.
نتائج الدراسة تؤكد دور الإشارة البصرية
أظهرت التحليلات أن الذكور تلامس النماذج البنية ضعف عدد المرات مقارنة بالنماذج الصفراء، وحاولوا ضمها في وضعية التزاوج بأكثر من 40 مرة. هذا يشير بقوة إلى أن اللون الأصفر يعمل كإشارة بصرية للذكور، تنبههم إلى أن الفرد الآخر هو ذكر وليس أنثى.
الآلية البيولوجية وراء التحول اللوني
يُعتقد أن التحول اللوني يرتبط بارتفاع مستويات هرمونات التوتر، مثل الإبينفرين والنورإبينفرين، التي تفرز استجابةً للضغط الناتج عن المنافسة على الإناث. تحت جلد الضفدع توجد خلايا متخصصة تسمى الخلايا اللونية، والتي تحتوي على أصباغ مختلفة. تؤدي هرمونات التوتر إلى إعادة ترتيب هذه الأصباغ، مما ينتج اللون الأصفر الزاهي.
ومع ذلك، فإن الآلية الدقيقة التي تسمح للضفدع بالحفاظ على هذا اللون لمدة يومين تقريبًا لا تزال غير مفهومة تمامًا. بمجرد انتهاء فترة التزاوج، يعود الضفدع إلى لونه البني المعتاد، مما يساعده على التخفي عن الحيوانات المفترسة.
تأثيرات التغيرات المناخية على تكاثر الضفدع الآسيوي
على الرغم من أن الضفدع الآسيوي الشائع ليس مهددًا بالانقراض حاليًا، إلا أن الباحثين يحذرون من أن التغيرات المناخية قد تؤثر على عملية التكاثر المعقدة هذه. فالتغيرات في أنماط الأمطار قد تعطل التوقيت الدقيق للتكاثر، مما قد يؤدي إلى فشل عملية التكاثر وانخفاض أعداد الضفادع.
تعتمد هذه الضفادع على هطول الأمطار الغزيرة لملء البرك المؤقتة التي تتكاثر فيها. إذا حدثت عاصفة مبكرة أو زخة مطر قصيرة، فقد يؤدي ذلك إلى إطلاق موسم التكاثر قبل أوانه، مما قد يؤدي إلى موت الأجنة إذا جفت البرك لاحقًا.
تُظهر هذه الدراسة أهمية فهم التفاعلات المعقدة بين الكائنات الحية وبيئتها، وكيف يمكن للتغيرات البيئية أن تؤثر على سلوكها وبقائها. من المتوقع أن يستمر الباحثون في مراقبة هذه الضفادع ودراسة تأثير التغيرات المناخية عليها، بهدف تطوير استراتيجيات للحفاظ على هذا النوع المثير للاهتمام.


