على مدى عقود، أثار موضوع “الأجسام الطائرة المجهولة” فضول العلماء والجمهور على حد سواء. ففي عام 1952، صاغ سلاح الجو الأمريكي هذا المصطلح لوصف الظواهر الجوية الغامضة، بدلاً من استخدام مصطلح “الأطباق الطائرة” الأكثر شعبية. الآن، يبدو أن دراسة جديدة تسلط الضوء على بيانات قديمة، قد تقدم رؤى جديدة حول طبيعة هذه الظواهر المحيرة، خاصةً مع التركيز على علاقتها المحتملة بالتجارب النووية في الماضي.
تُركّز الأبحاث الحديثة على صور فوتوغرافية تاريخية للغاية، التقطها فلكيون في خمسينيات القرن الماضي قبل انتشار الأقمار الصناعية، بهدف فهم أفضل لهذه الظواهر التي ظلت لغزًا لفترة طويلة. الهدف من الدراسة هو تحليل هذه الصور القديمة ومحاولة ربطها بتطور الأحداث التي شهدتها تلك الفترة، بما في ذلك الاختبارات النووية وتزايد التقارير عن مشاهدات غير مفسرة.
عصر ما قبل الأقمار الصناعية وظهور الأجسام الطائرة المجهولة
تعتمد الدراسة على فحص دقيق لآلاف الألواح الزجاجية الفوتوغرافية التي تم الحصول عليها من مرصد بالومار في كاليفورنيا، والتي документировало السماء بين عامي 1949 و1958. هذه الألواح، التي تعتبر أرشيفًا فلكيًا قيّمًا، تعرض ومضات ضوئية عابرة لم تكن موجودة في أي مسح فلكي لاحق. وظهرت هذه الومضات بشكل مفاجئ ثم اختفت خلال ساعات، مما يثير تساؤلات حول طبيعتها وأصلها.
وتتميز هذه الومضات بأنها تظهر كنقاط ضوئية حادة للغاية، وغالبًا ما تظهر في خطوط مستقيمة. وقد أشار الباحثون إلى أن هذه الأنماط تختلف عن تلك الناتجة عن الظواهر الفلكية المعروفة، مثل الشهب أو الانفجارات النجمية، مما دفعهم إلى استكشاف تفسيرات أخرى محتملة.
تحليل الومضات وعلاقتها بالتجارب النووية
أظهرت نتائج الدراسة ارتباطًا ملحوظًا بين توقيت ظهور هذه الومضات والتجارب النووية الجوية التي أجريت خلال فترة الحرب الباردة. وتبين أن عدد الومضات الضوئية يزداد بنسبة 45% في الأيام التي تلت التجارب النووية مباشرةً، مما يشير إلى وجود علاقة سببية محتملة بينهما. ويرجح الباحثون أن التفجيرات النووية قد تكون أدت إلى قذف مواد معدنية وغبار مشع إلى طبقات عليا من الغلاف الجوي، مما تسبب في ظهور هذه الومضات.
إلا أن هذا التفسير لا يفسر جميع الومضات التي تم رصدها، خاصة تلك التي ظهرت في أيام خالية من التجارب النووية. بالتالي، يظل احتمال أن تكون بعض هذه الومضات ناتجة عن أجسام طائرة مجهولة قائمًا، على الرغم من الحاجة إلى مزيد من البحث والتحقق.
التأويلات العلمية والتحديات المنهجية
يثير هذا الاكتشاف جدلاً علميًا حول طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة وإمكانية تفسيرها من خلال البيانات التاريخية. بينما يرى بعض العلماء أن الدراسة تقدم أدلة مقنعة على وجود ارتباط بين الومضات الضوئية والظواهر الجوية غير المفسرة، يحذر آخرون من الاعتماد على بيانات قديمة قد تكون عرضة للعيوب والأخطاء. ويؤكدون على ضرورة فحص الألواح الزجاجية الأصلية تحت المجهر ومقارنة النتائج ببيانات من مصادر أخرى.
وتشير الأبحاث إلى أن بعض الومضات تظهر أنماطًا غريبة، مثل الاصطفاف في خطوط مستقيمة واختفاؤها عندما تكون في ظل الأرض. هذه الأنماط تعزز فكرة أن الضوء قد يكون ينعكس عن أجسام صلبة في مدارات عالية، وهو ما يدعم فرضية وجود أجسام طائرة مجهولة. إلا أن العوامل الأخرى، مثل التغيرات في الغلاف الجوي أو الطقس الفضائي، قد تكون مسؤولة عن هذه الأنماط أيضًا.
وبشكل إضافي، فإن مصطلح “ظواهر جوية غير محددة” (UAP) الذي اعتمدته وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة ناسا كبديل لمصطلح “الأجسام الطائرة المجهولة” يعكس تحولًا نحو منهج علمي أكثر دقة وشمولية في دراسة هذه الظواهر. الجديد هو أن الدراسة الحالية تستخدم أدوات و أساليب غير تقليدية للوصول إلى فهم أفضل لهذه الظواهر الغامضة.
نظرة مستقبلية
من المتوقع أن يتم مراجعة هذه الدراسة من قبل الأقران في مجلة علمية مرموقة في الأشهر القادمة، مما سيتيح للخبراء في هذا المجال تقييم منهجية البحث ونتائجه بشكل نقدي. كما يُتوقع أن تلهم هذه الدراسة المزيد من الأبحاث حول البيانات التاريخية المتعلقة بالأجسام الطائرة المجهولة، واستخدام تقنيات جديدة لتحليل هذه البيانات. ويظل التفسير النهائي لطبيعة هذه الظواهر الغامضة أمرًا غير مؤكد، ولكنه يظل هدفًا رئيسيًا للبحث العلمي في المستقبل.















