يُعد البروفيسور عمر ياغي، عالم الكيمياء البارز بجامعة كاليفورنيا بيركلي، على أعتاب تحقيق إنجاز علمي هائل بعد فوزه بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025. وقد كُرم ياغي لتطويره الرائد في مجال الأطر الفلزية العضوية، وهي فئة جديدة من المواد ذات تطبيقات واعدة في مجالات الطاقة والمياه والبيئة. تعتمد هذه المواد على هياكل دقيقة ذات مساحات واسعة، مما يفتح الباب أمام حلول مبتكرة للتحديات العالمية.

يأتي هذا التكريم في أعقاب عقود من البحث والتطوير، حيث نجح ياغي في تحويل مفهوم نظري إلى واقع علمي ملموس. تُعرف الأطر الفلزية العضوية بقدرتها الفريدة على امتصاص الغازات وتنقية الهواء، وهي خصائص تثير اهتمامًا متزايدًا في ظل تزايد المخاوف بشأن تغير المناخ وتلوث البيئة. وتشير التقديرات إلى أن هذه التكنولوجيا قد تلعب دورًا حاسمًا في معالجة أزمة المياه العالمية.

الأطر الفلزية العضوية: ثورة في تكنولوجيا المياه

تعتمد الأطر الفلزية العضوية على بناء هياكل ثلاثية الأبعاد تتكون من ذرات فلزية وجزيئات عضوية، مما يخلق شبكة مسامية ذات مساحة سطحية داخلية هائلة. هذه المساحة الكبيرة تسمح للمادة بامتصاص كميات كبيرة من الغازات أو السوائل، بما في ذلك بخار الماء. ويشرح الدكتور ياغي أن هذه الهياكل تشبه “الإسفنج” على المستوى الذري، حيث يمكنها التقاط الجزيئات داخل مساماتها الدقيقة.

وفي حديث خاص مع الجزيرة نت، توقع الدكتور ياغي أن يشهد العام المقبل (2026) طرح أول أجهزة قادرة على استخراج المياه من الهواء في المناطق الصحراوية. تعتمد هذه الأجهزة على قدرة الأطر الفلزية العضوية على التقاط كميات ضئيلة جدًا من بخار الماء، ثم إطلاقها على هيئة ماء سائل باستخدام كمية محدودة من الحرارة أو ضوء الشمس. هذه التقنية تعد بمثابة بصيص أمل للمجتمعات التي تعاني من ندرة المياه.

تحديات وفرص في تطوير الأطر الفلزية العضوية

على الرغم من الإمكانات الهائلة للأطر الفلزية العضوية، إلا أن تطويرها لم يكن خاليًا من التحديات. في البداية، كانت هذه المواد تعاني من ضعف الاستقرار الهيكلي، حيث كانت تنهار بسهولة عند تعرضها للرطوبة أو الحرارة. لكن الدكتور ياغي تمكن من التغلب على هذه العقبة من خلال تطوير روابط كيميائية أقوى وأكثر صلابة بين المكونات الفلزية والعضوية.

هذا الاختراق سمح بإنتاج آلاف التركيبات المختلفة من الأطر الفلزية العضوية، ولكل منها خصائص فريدة مصممة لتلبية احتياجات محددة. بالإضافة إلى استخراج المياه، يمكن استخدام هذه المواد في تخزين الغازات، وتنقية الهواء، وتطوير أجهزة استشعار متقدمة. وتشمل التطبيقات المحتملة أيضًا تطوير بطاريات أكثر كفاءة وخلايا وقود جديدة.

وتشير الأبحاث إلى أن هذه التقنية يمكن أن تنتج ما لا يقل عن ألفي لتر من المياه يوميًا، مع عمر تشغيلي يتراوح بين 6 و 7 سنوات قبل الحاجة إلى استبدال المادة. الأمر الذي يجعلها حلاً مستدامًا وفعالًا من حيث التكلفة.

تطبيقات أوسع نطاقًا للمواد المسامية

لا تقتصر أهمية الأطر الفلزية العضوية على معالجة أزمة المياه فحسب، بل تمتد أيضًا إلى مجالات أخرى مثل مكافحة تغير المناخ. يمكن استخدام هذه المواد لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من العمليات الصناعية، مما يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة. كما يمكن استخدامها لتخزين غاز الميثان، وهو وقود نظيف يمكن استخدامه في السيارات.

في الماضي، تعاونت شركة “بي إيه إس إف” مع الدكتور ياغي لتطوير خزانات وقود للسيارات تعتمد على الأطر الفلزية العضوية، لكن المشروع توقف بسبب انخفاض أسعار البنزين. ومع ذلك، فإن الاهتمام بهذه التكنولوجيا يتزايد مرة أخرى مع تزايد الوعي بأهمية التحول إلى مصادر طاقة مستدامة. وتشير التوقعات إلى أن الكيمياء الشبكية، وهو المجال الذي أسسه الدكتور ياغي، ستشهد نموًا كبيرًا في السنوات القادمة.

وفي الختام، يمثل فوز الدكتور عمر ياغي بجائزة نوبل في الكيمياء اعترافًا عالميًا بأهمية الأطر الفلزية العضوية وإمكاناتها الهائلة. من المتوقع أن يشهد العام 2026 إطلاق أول أجهزة تجارية لاستخراج المياه من الهواء، مما قد يغير حياة الملايين من الأشخاص في المناطق الجافة حول العالم. ومع استمرار البحث والتطوير، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من التطبيقات المبتكرة لهذه المواد الواعدة في المستقبل القريب، مع التركيز على تطبيقات الاستدامة وتكنولوجيا النانو.

شاركها.
اترك تعليقاً