منذ اكتشاف بوزون هيغز عام 2012، أصبح هذا الجسيم محورًا رئيسيًا في فهمنا لكيفية اكتساب الجسيمات الأولية للكتلة. لكن دراسة جديدة مثيرة للجدل، نشرها فريق دولي من الفيزيائيين، تقترح أن الكتلة قد لا تكون حكرًا على حقل هيغز، بل يمكن أن تكون مرتبطة بـ هندسة الفضاء نفسها، مما يفتح آفاقًا جديدة في فيزياء الجسيمات وعلم الكونيات.
نُشرت الدراسة في دورية “نيوكلار فيزكس بي” في الثامن عشر من نوفمبر عام 2025، وتستكشف إمكانية أن الأبعاد الإضافية للفضاء، والتي تتجاوز الأبعاد الثلاثة المكانية والبعد الزماني المألوف، قد تلعب دورًا حاسمًا في تحديد كتلة الجسيمات. هذا الاكتشاف المحتمل قد يعيد تشكيل فهمنا للكون.
هندسة الفضاء والكتلة: نظرة جديدة
النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات يفسر اكتساب بعض الجسيمات للكتلة من خلال تفاعلها مع حقل هيغز، وهو حقل كمي يملأ الكون بأكمله. ومع ذلك، فإن هذا النموذج لا يقدم تفسيراً كاملاً لجميع مصادر الكتلة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالكون المبكر والظواهر المتعلقة بالطاقة المظلمة.
تقترح الدراسة الجديدة أن الفضاء قد لا يكون مجرد خلفية سلبية للأحداث الفيزيائية، بل قد يكون له هيكل ديناميكي معقد يؤثر بشكل مباشر على خصائص الجسيمات. يتخيل الباحثون أن الكون قد يمتلك أبعادًا إضافية، تتجاوز الأبعاد الأربعة التي نختبرها، وأن هذه الأبعاد قد تكون ملتفة أو مشوهة بطرق معينة.
الأبعاد الإضافية والعزم الهندسي
هذا التشوه أو “العزم الهندسي” في الأبعاد الإضافية يمكن أن يخلق نوعًا من “الاحتكاك” أو المقاومة لحركة الجسيمات، مما يجعلها تبدو وكأنها تمتلك كتلة. بعبارة أخرى، الكتلة قد لا تكون خاصية جوهرية للجسيمات، بل نتيجة لكيفية تفاعلها مع هندسة الفضاء المحيطة بها.
وفقًا للباحثين، فإن هذه الآلية الجديدة لا تتعارض مع وجود حقل هيغز، بل تعمل بشكل تكميلي له. بمعنى آخر، قد يكون بوزون هيغز مسؤولاً عن جزء من الكتلة، بينما تكون هندسة الفضاء مسؤولة عن الجزء الآخر.
تُظهر الحسابات الأولية أن هذه الفرضية الجديدة يمكن أن تتنبأ بقيم قريبة من الكتل الفعلية للبوزونات “دابليو” و”زد”، وهي الجسيمات التي تلعب دورًا رئيسيًا في القوى النووية الضعيفة. هذا التطابق بين النظرية والتجربة يعزز مصداقية الفرضية.
تداعيات محتملة على فهمنا للكون
بالإضافة إلى تفسير الكتلة، قد تقدم هذه الفرضية الجديدة رؤى جديدة حول بعض الألغاز الكونية الأخرى. على سبيل المثال، قد تساعد في فهم طبيعة الثابت الكوني، وهو العامل الذي يسبب تسارع توسع الكون. إذا كانت هندسة الأبعاد العليا مسؤولة عن جزء من الكتلة، فقد تكون أيضًا مسؤولة عن جزء من الطاقة المظلمة، وهي القوة الغامضة التي تدفع هذا التسارع.
هذا الاكتشاف المحتمل قد يؤدي أيضًا إلى تطوير نظريات جديدة للجاذبية، تتجاوز نظرية النسبية العامة لأينشتاين. فإذا كانت هندسة الفضاء أكثر تعقيدًا مما نعتقد، فقد نحتاج إلى إعادة التفكير في كيفية عمل الجاذبية على نطاق واسع.
تعتبر هذه الدراسة خطوة أولى نحو استكشاف هذه الأفكار الجديدة، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث والتحليل لتأكيد صحتها. يتطلب ذلك تطوير نماذج رياضية أكثر دقة، وإجراء تجارب جديدة للبحث عن أدلة على وجود الأبعاد الإضافية وتأثيرها على الجسيمات.
من المتوقع أن يستمر العلماء في استكشاف هذه الفرضية خلال العام القادم، مع التركيز على تطوير طرق جديدة لاختبارها تجريبياً. سيكون من المهم أيضًا دراسة العلاقة بين هندسة الفضاء والطاقة المظلمة، ومحاولة تحديد ما إذا كانت هناك أي صلة سببية بينهما. ستظل هذه المنطقة من البحث نشطة ومثيرة للاهتمام في السنوات القادمة، مع إمكانية تحقيق اختراقات كبيرة في فهمنا للكون.















